«اليمين المتطرف» يقود أوروبا لـ «مستنقع الفوضى»
ابتهال مخلوف
تدق أعمال العنف التى استهدف بها اليمين المتطرف فى بريطانيا مؤخرًا، المهاجرين وطالبى اللجوء والجاليات المسلمة، ناقوس خطر جديدا يضاف إلى صعود اليمين المتطرف فى قارة أوروبا وحصوله على مقاعد البرلمان الأوروبى فى يونيو الماضى، إذ شهد العديد من المدن البريطانية الأسبوعين الماضيين مظاهرات عنيفة لعناصر متطرفة، تخللتها أعمال عنف ضد المهاجرين ومراكز الإيواء ومهاجمة المساجد واشتباكات عنيفة مع الشرطة.
وكانت البداية، فى أعقاب قيام شاب من أصول إفريقية، بطعن ثلاث فتيات ما أدى إلى وفاتهن وإصابة ثمانية أطفال آخرين فى مدرسة للرقص أواخر يوليو الماضى فى مدينة ساوثبورت شمال غرب إنجلترا، لتنطلق موجة من العنف لجأ فيها اليمين المتطرف لتأجيج مشاعر الكراهية والعداء للمهاجرين عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف حشد عناصرهم وتحريضهم على استخدام العنف ضد المهاجرين الأجانب مع التركيز على المسلمين، وهو ما يمثل أول تحد مباشر لرئيس الوزراء الجديد كير ستارمر.
وهذه الاضطرابات، هى الأسوأ فى المملكة المتحدة منذ 2011، وتعزو السلطات الهدوء الذى عاد إلى البلاد، إلى الرد القضائى الحازم مع توقيف أكثر من 800 شخص وإصدار 300 إدانة مرتبطة بإثارة الشغب ونشر مواد على الإنترنت تغذى العنف، حيث استفاد رئيس الوزراء كير ستارمر فى مواجهة الشغب من خبرته كمدع عام فى 2011.
لكن حتى بعد استعادة النظام، يظل السؤال هل انتهى الخطر أم لا يزال اليمين المتطرف قنبلة موقوتة قد تنفجر مرة أخرى فى أى لحظة؟ ما يجعل «ستارمر» يواجه تحديًا أكبر يتمثل فى اجتثاث جذور المشاكل التى تكمن وراء الاضطرابات من الخدمات العامة المتهالكة وارتفاع مستويات تكلفة المعيشة وملف الهجرة واللاجئين. ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن «ستيفن فيلدينج»، أستاذ التاريخ السياسى بجامعة نوتنجهام، إن الكثير من البريطانيين الذين يعتبرون مثيرى الشغب «بلطجية» يريدون الحد من الهجرة، خاصة أن الحكومة العمالية الجديدة وعدت بخفض أعداد المهاجرين، ولابد من الوفاء بتعهداتها.
ويعد بعض المحللين أن الحملة التى سبقت الانتخابات العامة الشهر الماضى تسببت فى نشوب نزاع سياسى مرير حول خطط الحكومة الأخيرة لإرسال أشخاص يصلون إلى بريطانيا على متن قوارب صغيرة من فرنسا إلى رواندا.
وكانت الحكومات المحافظة المتعاقبة وعدت بخفض صافى الهجرة القانونية السنوية إلى أقل من 100 ألف شخص، لكنها فشلت ما جعل مراقبة حدود البلاد قضية رئيسية فى استفتاء عام 2016 الذى صوت فيه البريطانيون لصالح خروج البلاد من الاتحاد الأوروبى «بريكست» فى سبتمبر 2022، ومع ذلك تضاعفت الهجرة القانونية ثلاث مرات، وما ضاعف من حجم المعضلة البرامج الرامية إلى استيعاب لاجئين من أوكرانيا وهونج كونج وأفغانستان.
وأشارت كلير أينسلى، مديرة السياسات السابقة لستارمر والخبيرة فى معهد السياسة التقدمية الأمريكى، إلى دور وسائل التواصل الاجتماعى فى نشر المعلومات المضللة وتأجيج التوترات، وحذرت من إقامة رابط مباشر بين أعمال الشغب والهجرة، مشيرة إلى أنه إلى جانب المتطرفين، قد يكون بعض مثيرى الشغب من اللصوص والانتهازيين الآخرين.
وبالفعل يؤكد مجرى الأحداث أن اليمين المتطرف كان يتحين الفرصة لممارسة النشاط التخريبى والعنصرى الفاشى لتحقيق أهداف محددة منها الضغط على الحكومة العمالية المتعاطفة مع المهاجرين، لتغير من سياساتها إزاءهم ومحاولتها إثبات وجودها فى الشارع البريطانى الذى يشهد تعاطفًا واسعًا مع الشعب الفلسطينى، فى ظل حرب الإبادة والتجويع التى يتعرض لها قطاع غزة، ولا يستبعد وجود تنسيق وتحريض من الكيان الصهيوني، إذ يرتبط بعض شخصيات اليمين المتطرف البريطانى بعلاقات وثيقة معه والغرض هو خلط الأوراق على الحكومة العمالية التى تعهدت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية قبيل الانتخابات التشريعية.