الكاتب محمد السورى فى حوار لـ«روزاليوسف:» فى زمن «التيك توك» والنكتة السريعة الضحك فقد هويته!

حوار - هند سلامة
بين «حذاء مثقوب تحت المطر».. و«الخطة المثالية» خط إبداعى متصل تتجلى فيه موهبة ومهارة الكاتب الشاب محمد السورى الذى ينبئ بمشروع لمؤلف كبير يجيد التعبير عن همومه تارة بدراما مسرحية قاتمة أقرب للعدمية والعبث.. وتارة أخرى بالسخرية والضحك..وبين النقيضين يحمل معان ورؤى ثاقبة.. عن الكوميديا وهمومه وأعماله المسرحية قال السورى فى هذا الحوار..
■ كيف كانت بداية تحقيق الحلم باحتراف الكتابة؟
- أعتقد أن دراسة الموسيقى كانت دليلى للتوجه نحو الكتابة المسرحية دراستى الأساسية كانت بكلية التربية الموسيقية تعلمت فيها عزف البيانو والكلارينت ثم التخصص كان تأليفا موسيقيا؛ قبل الجامعة قدمت بمرحلة الثانوية معالجة كوميدى فارص لقصة «عنترة» كنا ندرسها بالثانوى للكاتب فريد أبو حديد وكان يذكر مراجع للرواية لكننا توقفنا عند مشهد لعنترة بالصحراء وهو بمفرده ثم اختفى فيها ولم يكن معه أحد وقتها تساءلنا من روى هذه الحادثة..من هنا كتبت المعالجة عمن يروى أحداث التاريخ وهل هذه الروايات حقيقية عن أب يحكى لأبنائه قصة عنترة ثم يقاطعونه متسائلين عن أحداث بعينها لا تصدق لأن هناك ثغرات بالقصة؛ ثم دخلت الجامعة ومن وقتها ربطت التأليف بالموسيقى.
■ كيف ربطت بينهما وهل ساعدتك دراسة الموسيقى على ضبط إيقاع الكتابة بالمسرح؟
- بالتأكيد ساعدتنى كثيرًا؛ أتذكر أن دكتور مادة التأليف الموسيقى كان يمنحنا مفاتيح لتأليف مقطوعة موسيقية وهناك مراجع لمؤلفي العصر الرومانسى الذين نحبهم كل منهم كان يضع قصة يبنى عليها اللحن والنغمات لها معانى؛ أحببت هذا الأسلوب وأصبحت أتبع هذا المنهج؛ فأصبح يشغلنى المعنى أثناء الكتابة.
■ هل هناك قصة لمقطوعة أوحت لك بفكرة عمل مسرحي؟
- “الخطة المثالية.. يوم الامتحان كنت أبحث عن قصة لموسيقى كوميدى ومسموح أن نمزجها بتعبير حركى كان هناك قصة قصيرة لـ«داريو فو» نشرها فى جريدة غير مترجمة تدور القصة حول لص يراقب منزلًا ويريد سرقته وبعد مغامرات طويلة فتح باب المنزل وجد أهل البيت بالداخل..تقف المسرحية عند هذه النهاية عن سوء حظ هذا الرجل؛ أكملت القصة من نهايتها لأننى كنت أريد التحدث عن الحب والخيانة؛ وكانت تشغلنى فكرة ارتباط الحب بمدى توافر الأموال من عدمه؛ لأن الامتحان كان موضوعه هل هناك علاقة بين الخيانة والثراء الكبير.. كانت الإجابة نعم أن هذه الطبقة معرضة للخيانة عن غيرها من الطبقات الأدنى بالمجتمع؛ وهذا ما تناولته بالمسرحية أن الرجل والمرأة السارق والسارقة كانا أكثر تشبثًا بحبهما من أصحاب المنزل الأثرياء؛ كتبت المقطوعة وانتهت مع التعبير الحركى وقتها شعرت أنها من الممكن أن يخرج منها فكرة لمسرحية وبالفعل قدمها أحد أصدقائى أثناء الجامعة واليوم قدمت بمشروع سوكسيه.
■ كيف جمعت بين النقيضين فى أشكال الكتابة من منتهى القتامة إلى منتهى الضحك؟
- أحب الاثنان بالتساوى وما أخرجته للكوميدى حتى الآن أعتبره أقل مما كتبت هناك أعمال لم تخرج للنور.
■ لماذا هل الكوميديا صعبة أم غير مقدرة فى رأيك؟
- للأسف غير مقدرة “الخطة المثالية” عرض كوميدى وضعت فيه الكثير من المعانى الضمنية لكن الناس تخرج من العرض مشغولة بالضحك دون إدراك معان أخرى داخله؛ وبالتالى أشعر أن إيصال المعنى قد يكون أوضح إذا قدمت عملا مأساويا لأننى أنزعج إذا لم تصل رسالتى كما أردت؛ إلى جانب أن قراءة الأعمال الكوميدى من قبل المخرجين تأخذ منحى آخر لأنه يحاول التغاضى عن الدراما فى سبيل زيادة الافيهات؛ أتفهم هذا النمط لكن أظن أن الناس ستضحك أكثر إذا اهتموا بالدراما؛ لذلك أميل للشكل القاتم فى الكتابة.
■ هل الطبقة المثقفة تحتقر الكوميديا برغم ما قد تحمله من مضامين إنسانية وسياسية ساخرة؟
- أعتقد أن هذا له علاقة مباشرة بالتقسيمات التى تم وضعها للأشياء دون قصد؛ لأن المثقفين يرون أنهم لا يصح أن يضحكوا هناك قالب للمثقف يضع نفسه فيه؛ على سبيل المثال قد يخجل البعض من القول بأنه أحب فيلم “الحريفة” حتى ولو كان فيلما جيدا؛ كما أن الصناع يريدون تقديم أشياء خالية من العمق أو الفكر معتمدة أكثر على النكت لمجرد كسب المزيد من الجماهير والضحك؛ هذا يمنح انطباعا عن الكوميديا أنها أسهل وأتفه وفارغة من المعنى؛ لأن المنتج يخشى المخاطرة؛ الكاتب الكبير لينين الرملى كتب مسرحيات مثيرة للضحك من مجرد قراءتها على الورق وأعماله حملت الكثير من الفكر والعمق والفلسفة.
■ بمناسبة لينين الرملى كان يذكر دائمًا أنه لا يسمح بالإضافة أو الحذف على عمله كيف ترى هذه المدرسة وإلى أى مدى تسمح بالتدخل فى النص؟
- أهم شيء فى الكتابة الإيقاع؛ أى كاتب يجلس للكتابة يهتم جدًا بالإيقاع؛ وكل كاتب يكتب متصورًا أن الكتابة مغلقة بالنسبة له؛ عندما اقرأ نصوص لينين الرملى هى بالفعل محكمة وإذا أخرجتها سأقدمها كما هى لن أضيف شيئا؛ لكن من الممكن خلق إيقاع جديد بالصورة بتبديل أماكن الجمل أو الاستغناء عن جملة أو كلمة أخلق إيقاعا أسرع أو أبطأ؛ أشعر أن هاتين المعادلتين تحتاجان للضبط؛ وبالتالى لا أستطيع الحكم على نص من نصوصى بالجمود عند نقله فى أى وسيط سواء مسرح أو سينما أو تليفزيون لأن إيقاع الصورة سيختلف؛ إلا إذا كنت فارضا إيقاع صورة محدد على النص نفسه؛ وهذا فى رأيى يميت النص؛ من الصعب الحجر على خيال المخرج؛ لأنه من الممكن أن تحدث إضافات وتعديلات حسب إيقاع الصورة؛ لذلك من المهم حضورى أثناء البروفات لأننا نتفاوض على تفاصيل كثيرة وقد تحدث تغييرات على الورق أثناء العمل؛ فى “الخطة المثالية” تمت إضافة شخصية عامل الديلفيرى لإطالة وقت المسرحية أثناء عرضها بمشروع سوكسيه؛ أقوم بالتغيير أو الإضافة بما لا يضر جوهر الكتابة والمعنى الذى أردته؛ هناك مخرجون يعبثون فى النص عن عدم وعى يأخذ النص ويغير الرؤية تمامًا وبالتالى يخرج الموضوع مشوهًا.
■ هل سيختلف النص إذا قمت بإخراجه بنفسك؟
- سأقدمه بفهم أكبر.. بمعنى أننى كنت دائمًا أتحاور مع المخرج فى شكل إلقاء جملة لأننى أقصد بها معنى وإيصال شيء بعينه لكنها قد تمر معه مرور الكرام؛ فى العرض الكوميدى من البداية وأثناء الكتابة عادة يتكون لدى خيال عن الطريقة التى سيقدم بها خاصة عندما أحدد نوع الكوميديا الذى أسير عليه فى الكتابة وحسب المنهج الذى أتبعه يغزل الضحك؛ وبالتالى ليس هناك مساحة لإضافة أفيه غير مناسب.
■ هل الارتجال مزعج للمؤلف؟
- ليس مزعجًا المهم الطريقة التى سيقدم بها أثناء الكتابة أضع الاحتمال للارتجال لأن الموقف مبنى على الارتجال؛ الكوميديان دائمًا يريد أن يضحك على المسرح فى العرض الأخير مع أشرف عبد الباقى وتوتة وخاطر هذا هو نوع الكوميديا الذى يحبه الجمهور لهم وبالتالى الكتابة تأتى بما يتوافق مع ما يقدمونه من كوميديا.
■ هل هذه أول تجربة على مستوى الاحتراف؟
- ليس هذا أول عمل مع محترفين لدى أعمال فيديو فى الاحتراف؛ وهناك طريقان إما أن أغلق على نفسى وأكتب ثم أذهب لهم بالنص وهذا طريق خاطئ لأنهم فى النهاية يريدون التشارك بوضع معلومات؛ أو نجلس معًا ونتفق على النوع والشكل ونصل إلى حل وسط؛ لأنه لابد أن أكتب كوميديا مناسبة للنجم الذى يلعبها؛ أشرف عبد الباقى أبلغنى بالقصة ثم بدأنا فى وضع الأسئلة الدرامية الخاصة بها وبعدها نكتب الكوميديا باللعب على مناطق الضحك عند كل نجم منهم بالعمل.
■ فى رأيك هل تغير شكل الضحك؟
- بالتأكيد هذا يعيدنى للعروض القاتمة، هذه مشكلتى حاليًا الحياة كلها اليوم أصبحت غير حقيقية.. بمعنى أنها غير أصلية فقدنا جزءا كبيرا جدا من هويتنا، الأجيال الجديدة عاجزة عن الإجابة عن سؤال من أنت؟!..لأنه سؤال محير للغاية؛ الضحك أصبح فى “التيك توك” سريع بلا معنى.. فى زمن مضى الضحك كان له متعة عندما تغير أصبح ليس هناك هوية للضحك.
■ ماذا تعنى بهوية للضحك.؟
- الكوميديا هدفها الضحك فى المقام الأول والأخير؛ لكن ليس معقولًا أن يضحكنى شىء لا أعلمه وبالتالى الذى يقدم الكوميديا لابد أن يأتى بموضوع أعرف عنه الكثير ومتماس معى موضوع ملموس؛ حتى أضحك وأفكر هكذا يقوم الفنان بواجبه؛ حاليًا ما الذى يلمس الناس ، تحول الضحك إلى مجرد نكتة وأشخاص تقدم أشياء غريبة وتقوم بعمل أفعال غريبة على “التيك توك” المفروض أنها مثيرة للضحك!..بينما على النقيض إذا شاهدنا أعمال فؤاد المهندس وعادل إمام نشعر بحالة من المتعة وتضعنا فى مزاج وحالة شعورية لفترة وليس مجرد لحظة ومرت؛ هذا ما يدفعنى لكتابة أعمال عن الهوية التى طالت الدين والأخلاق وكل شيء؛ حتى العروض القاتمة كان مفتاحها كلمة “الهوية” فى فترة من الزمن الفنان كان ملتصقا بالمجتمع نجيب محفوظ رأى من كتب عنهم كل منهم كانت لديه هذه الهوية التى تحدثنا عنها يعلم من هو؟.. من أين جاء؟.. ماذا يريد؟..ماذا يؤيد؟..وماذا يكره؟..؛ كما أن التطور الرهيب للرأسمالية عبر التاريخ جعل الإنسان أداة استهلاكية وبالتالى كل من يدخل هذه الدائرة صعب يكون فنانا أو منتجا لأى شيء؛ لأنه أصبح جزءًا محددًا فى الآلة، أى شيء يقوم به تابع لمنظومة رأسمالية تفرض سيطرة على العقل لذلك أصبحنا نعيش بلا إدراك حقيقى لكل شىء حولنا!