إثيوبيا تُغرق السودان
نهى حجازى
فى تطور خطير أثار حالة من القلق، فتحت إثيوبيا 4 بوابات علوية من سد النهضة بعد أن امتلأت بحيرة السد عن آخرها، ما تسبب فى تدفق كميات هائلة من المياه بشكل مفاجئ نحو السودان، بعد أيام قليلة من افتتاح الجانب الإثيوبى سد النهضة دون أى تنسيق مع دولتى المصب «مصر، والسودان»، وأدى هذا الإجراء الأحادى إلى فيضان مفاجئ فى السودان، مخلفاً دماراً زراعياً واسع النطاق، ورفعت وزارة الرى السودانية الرايات الحمراء، محذرة مواطنيها بضرورة الابتعاد عن الاراضى المنخفضة ونقل محاصيلهم، ومواشيهم لمناطق آمنه، بينما حافظت مصر على استقرارها بفضل جاهزية السد العالي.
من جانبه يقول الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والمياه، إن سد النهضة ممتلئ حالياً عن آخره، لدرجة أن المياه فاضت من أعلى السد يوم الافتتاح، ما دفع إثيوبيا إلى فتح 4 بوابات علوية كبرى فى نفس اليوم. موضحًا أن التصريف من هذه البوابات استمر، ما أدى إلى انخفاض طفيف فى منسوب البحيرة، إلا أن المياه لا تزال تمر عبر بوابات التصريف الضخمة بمعدل يصل إلى 750 مليون متر مكعب يومياً، وذلك لمدة خمسة أيام متواصلة، قبل أن ينخفض التدفق مؤخراً إلى 700 مليون متر مكعب.
ويضيف شراقي، فى تصريحات خاصة لـ «روزاليوسف»، أن إثيوبيا تضخ حالياً كميات تفوق إيراد الأمطار اليومية، حيث إن الأمطار لا تتجاوز 300 مليون متر مكعب يومياً، بينما تقوم بتمرير نحو 750 مليون متر مكعب، أى أنها تضيف من مخزون البحيرة ما يزيد على 400 مليون متر مكعب يومياً.
ويؤكد شراقى، على أن هذا الوضع غير آمن هندسياً، لأن وصول منسوب البحيرة إلى الحد الأقصى خطأ جسيم، وكان من المفترض تخفيض المنسوب لتفادى المخاطر، متوقعًا أن يستمر الفيضان لثلاثة أيام أخرى حتى ينخفض المنسوب تدريجياً.
ويشير إلى أنه فى حال استمرار توقف التوربينات عن العمل، ستضطر إثيوبيا إلى إبقاء هذه البوابات مفتوحة لتمرير الإيراد اليومى الذى يبلغ 300 مليون متر مكعب.
لكنه يرجّح أن إثيوبيا قد تعمد إلى إغلاق هذه البوابات، مع تراجع الأمطار خلال شهر أو شهرين، محذرًا من أن ما يحدث هذا الأسبوع يمثل خطورة بالغة نتيجة التصرفات الإثيوبية، خاصة منذ يوم الافتتاح حين تعمّد رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد تصوير مشهد الشلالات المتدفقة من أعلى السد فى مشهد إعلامي، الأمر الذى استلزم ملء البحيرة بالكامل، وهو ما تسبب لاحقاً فى أزمات.
«شراقى» يضيف، أن إفراغ هذه الكميات الهائلة من المياه تزامناً مع الأمطار أحدث أزمة كبيرة فى السودان، حيث وصلت كميات ضخمة من المياه فى توقيت غير طبيعى للفيضان، فبدلاً من أن تصل المياه تدريجياً فى شهرى يوليو وأغسطس مع بداية الموسم الزراعي، تأخر وصولها لما يزيد على شهر ونصف، وهو ما أضر بالمحاصيل الزراعية وأفشل استغلال المياه فى الأغراض الزراعية، وأضاف أن تدفق هذه الكميات فى سبتمبر، وهو نهاية موسم الفيضان، أدى إلى غرق الأراضى الزراعية وهلاك المحاصيل.
ويؤكد أستاذ الجيولوجيا والمياه، أن سد النهضة كان من المفترض أن يحمى السودان من الفيضانات، لكن ما حدث عملياً هو العكس، حيث تسبب فى فيضان مفاجئ أغرق الأراضى السودانية. محذرًا من أن استمرار التفريغ لأكثر من يومين متواصلين قد يشير إلى وجود مشكلة خطيرة فى جسم السد، لأن التفريغ الطبيعى لأغراض الطوارئ لا يتجاوز يومين، وأشار إلى أن إثيوبيا تعمدت رفع منسوب البحيرة حتى تفيض المياه لأغراض إعلامية، وهو ما يمثل خطورة على سلامة السد.
وفيما يتعلق بمصر، يوضح شراقى أن الوضع أفضل نظراً لوجود السد العالى القادر على استيعاب وتخزين كميات كبيرة من المياه وتوزيعها وفقا للاحتياجات اليومية، بعكس السودان الذى فوجئ بكميات ضخمة من المياه.
ويختم شراقى مؤكداً أن هذه التطورات تعزز الموقف المصرى فى ملف سد النهضة، وتُظهر مخاطر الإدارة الأحادية والتعنت الإثيوبي، خاصة مع غياب الخبرة الفنية، الأمر الذى أضر بالسودان بشكل مباشر، بينما لم تحقق إثيوبيا الاستفادة المرجوة، حيث إن توربينات سد النهضة ما زالت متوقفة عن العمل حتى الآن.
فى المقابل تؤكد وزارة الموارد المائية والرى استمرار جهودها فى تطوير وتحديث منظومة إدارة المياه، من خلال الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، وخاصة أجهزة الرصد المتقدمة، فأجرى مؤخرا الدكتور هانى سويلم، وزير الري، زيارة لمحافظة أسوان لتفقد السد العالى وخزان أسوان، موضحًا أن بحيرة ناصر تُعد أكبر خزان مائى فى قارة إفريقيا، بسعة تخزينية تصل إلى 162 مليار متر مكعب من المياه.
ويشير «سويلم» إلى حرصه على المتابعة الدورية، لكفاءة وجاهزية جميع المنشآت المائية على مستوى الجمهورية، باعتبار تأهيلها وصيانتها أحد المحاور الأساسية للجيل الثانى من منظومة الري، وبشكل خاص منظومة السد العالى وخزان أسوان. كما يشدد على أهمية استمرار أعمال الرصد على مدار الساعة للمناسيب والتصرفات المائية المارة من السد.
ووجّه الوزير خلال لقاءاته بالعاملين والفنيين بالسد العالى بضرورة مواصلة أعمال المتابعة الدورية والصيانة الشاملة لكافة مكونات منظومة السد العالى وخزان أسوان، بما فى ذلك الورش الفنية والمعامل المركزية والمخازن، مع التأكيد على مواكبة أحدث الوسائل التكنولوجية.
من جانبه يقول السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الإفريقية، إن إثيوبيا خرقت جميع القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية، وخاصة القانون الدولى للمجارى المائية وإعلان المبادئ لعام 2015، فى حين أن مصر حذرت مراراً من هذه التصرفات الأحادية وغير المسئولة.
ويؤكد أن القاهرة بذلت محاولات عديدة لتفادى هذا النزاع عبر الطرق السلمية، وسعت إلى التوصل لاتفاق قانونى ملزم ومنصف وعادل لعمليتى الملء والتشغيل، إلا أن الجانب الإثيوبى لم يراعِ أيًّا من ذلك، مما تسبب فى أزمة لدولة المصب السودان، وهو ما كانت مصر قد حذرت منه جراء هذه السياسات الأحادية.
ويضيف حليمة، أن ما حدث يُعد خطراً جسيماً ومخالفة واضحة للقوانين الدولية، مشيراً إلى غياب التأكد من مطابقة معامل الأمان فى السد الإثيوبى للمواصفات والمعايير الدولية. كما حذّر من خطورة التصرفات المائية غير المنضبطة، التى تمثل تهديداً مباشراً لكل من مصر والسودان.






