الأربعاء 29 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أبطال أكتوبر فى ندوة روزاليوسف: عقيدتنا القتالية ثابتة لا نبدأ حربا

قـدرة الـردع المصرية تفرض السلام

أدار الندوة: أيمن عبدالمجيد



أعدها للنشر: د. عمر علم الدين 

تصوير: مايسة عزت

 على مدار سبعة آلاف عام، منذ وحد الملك مينا القطرين، ظلت مصر دولة موحدة، حدودها ثابتة لم تتغير على مدار التاريخ، والجيش المصرى عمودها الفقري؛ فارتبطت قوة الدولة دائمًا طرديًا بقوة جيشها. فى فترات القوة تحقق الأمن والاستقرار والتنمية، وفى حقب الضعف تكالب علينا الغزاة، من الهكسوس والفرس والرومان، مرورًا بالاحتلال الفرنسى ثم البريطانى، ووصولًا إلى الاحتلال الإسرائيلى 1967.

وقد شدّد الرئيس الشهيد أنور السادات على أن ما حدث عام 1967 لم يكن نتيجة هزيمة الجندى المصرى بوصفه مقاتلًا، فهو لم يقاتل بل حقق معجزة النصر فى السادس من أكتوبر 1973. 

 بهذه المقدمة استهل الكاتب الصحفى أيمن عبدالمجيد ندوة «جريدة روزاليوسف»، بمناسبة الذكرى الـ52 لانتصار أكتوبر العظيم، مشيرًا إلى أن الذكرى تحل والمنطقة محاطة بالتحديات، والعالم يموج بالصراعات، ومن هنا تأتى أهمية الاستماع إلى ضيوف الندوة أبطال حرب أكتوبر العظيم لاستلهام الدروس والعظات، فجيش مصر الذى حقق فيه الأجداد معجزات أكتوبر 1973 يواصل الأحفاد البطولات بالقضاء على الإرهاب عبر المعركة الشاملة وحماية حدود الوطن وأمنه القومى.

 اليوم مع تسارع التحديات الإقليمية وتحوّل موازين القوة، تؤكد القدرات الشاملة لمصر أن القوى المتوازنة والمتكاملة من عسكرية وتقنية واستراتيجية هى الركيزة الأساسية لحفظ السلام وصونه. فكلما امتلكت الدولة قدرة ردع حقيقية، استطاعت أن تحمِى أمنها ومصالحها القومية وتفرض شروط السلم من موقع قوة.

  كما قال أوديب فى مسرحية سوفوكليس: «الحقيقة المؤلمة تمنحنا الحكمة» مقولة تذكرنا بأن قراءة التاريخ بصدق هى التى تبنى الرؤية الاستراتيجية وتمنح الأمة مناعة فكرية وعملية.

 بدأ عبدالمجيد ندوة «روزاليوسف» حول «قوى الدولة الشاملة: بين التحرير والردع»، والتى شارك بها لفيف من أسرة التحرير، بتوجيه التحية لثلاثة من أهم المفكرين الاستراتيجيين والعسكريين فى مصر وهم:

اللواء الدكتور محمد زكى الألفى المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، واللواء الدكتور نصر سالم رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق والمستشار بالاكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، واللواء أ.ح. حمدى بخيت، الخبير العسكرى.

وأكد المتحدثون أن كلمة السر فى انتصار أكتوبر المجيد تكمن فى المقاتل المصرى، والإرادة والروح القتالية، وحكمة القيادة التى اتخذت ما استطاعت من أسباب النصر، من التخطيط للإعداد والتجهيز وتدريب الفرد المقاتل، ليكمل الله سبحانه وتعالى الجهد ويكلّله بالنصر.

أضاف أبطال أكتوبر، أن مصر شهدت فى السنوات العشر الأخيرة، تعاظما فى تنمية عناصر القدرة الشاملة، وفى القلب منها تعظيم قدرة الردع العسكرية، تلك القوة التى تفرض السلام، مشددين على أن جيش مصر عقيدته دفاعية، لا يعتدى ولا يبدأ حربا لكنه لا يسمح ولا يتهاون فى ردع عدوان.

«ندفن تحت تراب سيناء قبل أن يطأها عدو»، وما سطره الأجداد من بطولات فى حرب أكتوبر سار على دربه الأحفاد بتطهير سيناء من الإرهاب وحماية تراب الوطن على كافة محاوره الاستراتيجية. إلى نص الندوة: 

 «روزاليوسف»: كيف تم عبور هزيمة 1967 وما دور المقاتل المصرى الذى استطاع تجاوز التحدى فى أشهر معدودات؟ 

 بنبرة هادئة واثقة قال اللواء زكى الألفى بطل أكتوبر: إن أكتوبر كانت من معجزات البشر بكل تفاصيل هذه المعركة الفاصلة، والمقاتل المصرى كان كلمة السر فى الانتصار، فاستطاع مع قيادة حكيمة، استعادة بناء قدرات الجيش وروحه المعنوية وقدراته القتالية، حتى توقيت المعركة الثانية ظهرًا، لم يتم قبل ذلك على مدى التاريخ، فلم يترك شيء للصدفة، بل دراسة عميقة حتى لاختيار يوم المعركة وتوقيتها.

 جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية الأسبق كانت تقول إن الجندى الإسرائيلى لا يقهر وإن قوات إسرائيل قادرة على أن تقوم بأى أعمال، وإن خط بارليف لا يمكن اقتحامه، وما حدث فى حرب أكتوبر 73 يؤكد هدم هذه النظرية وكل ما قيل فى هذا الاتجاه كان محض غرور وكبر وغطرسة.

يصمت اللواء الألفى لثوان وكأنه يعود إلى الجبهة مقاتلًا قبل أن يواصل حديثه: كنتُ ضمن ضباط الكتيبة 18 مشاة التى كانت متمركزة على الجانب الأيمن للجيش الثانى الميدانى، وكانت تعتبر الكتيبة الأولى ضمن تشكيلات الجيش الثانى. كتيبتنا دافعت عن الدفرسوار، المهمة فى المعركة كانت الدفاع عن منطقة الممرات التى تفصل بين الجيشين الثانى والثالث الميدانى، ولأهمية المنطقة الاستراتيجية كانت القيادات تزورها، وفى مقدمتهم الرئيس السادات، لرفع الروح المعنوية، والتأكد من جاهزية القوات، وهو ما يؤكد رمزية المكان ومكانته فى خطة الدفاع الوطنى. إن تكرار هذه الزيارات كان أحد المؤشرات المهمة على ثقل المسئولية التى حملها المقاتلون هناك، وعلى مركزية هذا الموقع فى صورة أمن مصر العام والتحضيرات الميدانية، وهكذا كان القادة دائمًا بين الجنود وعلى الجبهة فى مقدمة الصفوف ما عزز الروح المعنوية.

كانت فترة خطرة مرّت بها البلاد، تحمّلت القيادة مسئوليات جسيمة على مختلف المستويات، وترجمت ذلك فى سياسات رفع الجاهزية وتعزيز قدرات القوات المسلحة لمواجهة أصعب المراحل فى تاريخها. 

 أما على مستوى المواقع القتالية فقد كانت أسلحة الكتيبة الأساسية تقليدية إلى حد بعيد؛ ما كنا نملكه آنذاك من مضادات ومدافع قصيرة المدى مثل عيارات 10 و11 كانت ذات مدى محدود عمليًا.

كان لدينا أيضًا مدافع 13 ومدافع هاون من عيارات مختلفة، وبعضها يُصنّف كأسلحة قديمة شاركت فى الحرب العالمية الثانية، رغم بساطته نسبيًا، لكن الجندى المصرى كان هو البطل وغير المعادلة بهذا السلاح المتواضع قتاليا، استطاع استيعاب السلاح، وتوظيفه فالبطل والقيمة الأكبر فى ميزان القوى كانت إرادة المقاتل المصرى وشجاعته، واستعداده للتضحية فى سبيل تحرير سيناء.

وحول النقاط الحصينة يقول بطل أكتوبر كانت تمثل عائقًا كبيرًا، فقد أُنشئت نقاط حصينة أمام الكتيبة 18 على نحو مباشر فى الشمال، مع نقاط إضافية على مسافة نحو خمسة كيلومترات، من بينها نقطة تعرف باسم «تل سدان» وهى نقطة ذات أخطار واضحة ومهمة. ومن هذه النقاط انطلقت بعض العمليات التى تطلَّبت جهدًا بشريًا وماديًا كبيرًا. 

تم وضع خطط جعلت المقاتل يستعيد توازنه ويستقر فى سلاحه، وفى موقعه قبل أن تتقدم القوات وتمت التهيئة قبل العبور، وهذا كان أمرًا جوهريًا، فالمقاتل المصرى، المزروع فى أرض حضارة عريقة، أبان عن صمود وبسالة فى أصعب الأوقات، وقدم تضحيات جسيمة للحفاظ على كرامة الوطن.

دور القوات المسلحة فى البطولات ليس وليد اليوم، وما تم من أعمال وبطولات فى السابق والحاضر هو ناتج حضارة عميقة تمتد جذورها إلى 7 آلاف عام، والتاريخ هو من يشهد للجندى المصرى.

يواصل البطل: كنا فى مواجهة مباشرة مع مدرعة من مدرعات العدو، وحاول اقتحام الحد الأمامى للدفاعات فى مواجهة مباشرة بغرض بث الرعب والقضاء عليهم، ولكن نظرًا لارتكاز موقعنا الدفاعى على ترعة جافة كانت تشكل مانعًا لتلك المدرعة التى كانت تحمل 10 جنود من جنود المظلات الإسرائيلى.

ويؤكد اللواء الألفى أنه من الصعب جدًا فى الحرب الفعلية أن يقوم الجنود بعملية التنشين نحو الهدف لإصابته، ووقتها قاموا بإمطار العدو بوابل من الطلقات، قائلًا: أتذكر وقتها الرقيب صلاح الدين الذى فتح الرصاص على المدرعة بشكل متواصل، ما اضطرها إلى النزول فى الترعة الجافة، ما مكنا من اقتحامها، وتم أسر من فيها وتسليمهم للقيادة. 

إن التدريب والمعايشة فى بيئات مشابهة لساحة القتال كان عاملًا أساسيا لمختلف الأسلحة ليس للمشاة فقط،  وأيضا والتدريب على اقتحام المانع المائى وخط برليف بل وتنفيذ مهام البحرية. 

يقول اللواء الألفى إن الكتيبة 18 استطاعت أن تقوم بصد العدو فى الدفرسوار عند قرية الجلاء، وأدارت معركة دفاعية قوية، وتم تدمير العشرات من الدبابات، وأخص الرائد نوارين الباسل، الذى استطاع وحده تدمير أكثر من 20 دبابة، والرائد محمد الشافعى عطية، الذى قاتل فى نفس المعركة يومى 15 و16 أكتوبر، ودمر16 دبابة وأسر 10 جنود، والرائد أحمد إبراهيم كحيل، قائد السرية الثانية، الذى دمر 4 دبابات، وأصيب فى أذنه، ولم يترك موقعه رغم الإصابة الشديدة التى تركت أثرًا عليه، وأثبت الجندى المصرى فى المعركة أنه نموذج لبسالة الفرد المقاتل فى مواجهة الدبابة. 

لا يمكن إغفال دور المجتمع والشعب الذى ساهم فى رفع معنويات الجنود، ما جرى فى تلك الفترة من تخطيط وتعبئة وتجهيز لم يكن بالأمر الهين بل تطلّب تضافر جهود قيادية وميدانية وشعبية، وهو ما أعطى نتائج ملموسة فى لحظات فارقة من التاريخ العسكرى المصرى.

 وحول تنوع السلاح ودوره فى تعزيز القدرة الشاملة أكد اللواء الألفى أن ذلك متحقق ومتنامٍ فى السنوات العشر الأخيرة، والأهم من تنويع السلاح هو التصنيع العسكرى وما يتم من توطين الصناعات العسكرية، لأنه يضمن الاستقلالية ويُغلق أبواب الضغوط الخارجية ولكن التنوع فى مصادر السلاح مهم جدا وهو ليس وليد اللحظة، بل بدا كدرس مستفاد من حرب 1973. 

فقد بدأ الرئيس السادات إدخال أسلحة إيطالية فى الدفاع الجوى، وألمانيا فى المجال البحرى، وفرنسية، وأمريكية فى مجالات أخرى، أى أن التنوع قديم، لكنه تعمّق اليوم وأصبح أكثر تنوعًا بما يحقق أهداف تعظيم قدرة الردع وحماية الأمن القومى.

 فليس المقصود مجرد اقتناء أسلحة حديثة متنوعة، بل تحقيق التوازن المطلوب. ففى مجال القوات الجوية مثلًا، امتلاك طائرات قتال عالية الكفاءة فى الارتفاعات العالية والمنخفضة، إضافة إلى طائرات القيادة والسيطرة. الطيار اليوم لم يعد يعتمد فقط على الرؤية المباشرة، بل على أنظمة متقدمة توجهه إلى الهدف وتحدد الاتجاهات بدقة.

وفى مجال الدفاع الجوى، عندما تجاوزنا مدى العشرين كيلومترًا فى حرب أكتوبر، تكبدنا خسائر كبيرة لأننا خرجنا من غطاء حائط الصواريخ والدفاع الجوى واليوم منظومات الدفاع الجوى المصرية قادرة على تغطية مساحات واسعة والتعامل مع الأهداف من مسافات تصل إلى 150 و200 كيلومتر.

 على مستوى القوات البحرية، لم نعد نتحدث عن مدمرات محدودة، بل عن أسطول أعالى البحار. وهو أسطول متكامل التسليح يضم قطعًا بحرية مزودة بأنظمة دفاع جوى، ومدفعية، ورادارات، وحرب إلكترونية، أى أن كل قطعة بحرية أصبحت منظومة قتالية متكاملة. 

إذن، التنويع ليس عشوائيًا، بل يقوم على رؤية استراتيجية تأخذ فى الاعتبار طبيعة مسارح العمليات: البحر الأحمر، البحر المتوسط، والجبهات البرية شمالًا وشرقًا وجنوبًا وغربًا¡ وكل ذلك يعمل من خلال منظومة قيادة وسيطرة حديثة، بدونه لا يمكن لأى سلاح أن يحقق أهدافه.

 من هنا فإن تنويع مصادر السلاح وتطويره ليس مجرد شراء طائرات أو مدرعات، بل هو رؤية متكاملة لتأمين الدولة على مختلف الجبهات. والأهم من الشراء وهو التصنيع الحربى وتوطين التكنولوجيا العسكرية.

 «روزاليوسف»: فى ظل حروب الجيلين الرابع والخامس، باتت الحرب الإلكترونية وأسلحة تزييف الوعى وتفتيت الدول من الداخل شريكًا أساسيًا فى الحروب كيف يرى اللواء حمدى بخيت ذلك وأساليب المواجهة؟ 

عند الحديث عن الحروب الحديثة، نجد أنفسنا أمام محورين أساسيين: الأول يتعلق بدوافع نشوب هذه الحروب، والثانى يتعلق بطبيعتها وأساليبها. فقد أصبحت الحروب التقليدية بالغة الكلفة؛ فثمن الدبابة يتراوح بين 60 و80 مليون دولار والطائرة مابين 100 و200 مليون دولار، ونظام المدفعية سعره أكثر من 50 مليون دولار، بينما يمكن لصاروخ زهيد الثمن أو حتى لفيروس إلكترونى أن يدمر أو يشلّ منظومة عسكرية كاملة. وهنا يبرز السؤال: أيهما أجدى؟ الإنفاق على سلاح باهظ قد يُدمَّر فى لحظة، أم الاستثمار فى أدوات حديثة تكنولوجية تحقق الهدف بأقل تكلفة؟

بعد حرب أكتوبر، أدركت القوى المعادية، وعلى رأسها إسرائيل والولايات المتحدة، أن سر التفوق لم يكن فى السلاح وحده، بل فى نوعية المقاتل المصرى، بكفاءته وجرأته وانتمائه. 

يضيف اللواء بخيت أن الخبير العسكرى الشهير أندريه بوفر عندما أتى إلى هنا حضرنا معه بعد الحرب، وقال «احنا عملنا مقارنة بين القوات من الجانبين وحسبنا حسابات متعددة القيم، ولم نجد سببا واحدا لأن مصر تهزم إسرائيل، ولكن بمراجعة الحسابات وجدنا أن هناك عنصرا أغفلناه وهو الفرد المصرى المقاتل اللى خلف المعدة، هو ده اللى صنع النصر، فقد واجه المقاتل المصرى أحدث الدبابات والطائرات بإمكانات متواضعة، ومع ذلك تمكن من قلب موازين المعركة، بل إن بعض الأبطال استطاعوا بمجهود فردى أن يخرجوا ألوية مدرعة كاملة من المعركة»، وهو ما لم يكن متوقعًا فى أى حسابات عسكرية مسبقة، مثلا فيه ٣ مقاتلين (عبدالعاطى ومحمد إبراهيم ومحمد المصرى) خرجوا لواء مدرع من المعركة، دمروا ما يقرب من 70 دبابة على محاور مختلفة، وهو فى النهاية فرد على جهاز توجيه يدوى.

 هذا التفوق البشرى أثار قلق الأعداء، فبدأوا فى توجيه ما يمكن وصفه بـ»آلة جهنمية» تستهدف الإنسان المصرى مباشرة، فكانت ما يُعرف اليوم بحروب الجيل الرابع. هذه الحروب ليست مجرد حرب نفسية كما يظن البعض، بل هى منظومة متكاملة تضم عدة مجالات:

• حرب القيادة والسيطرة، التى تهدف إلى فصل الرأس عن الجسد وإرباك منظومة القيادة.

• الحرب الإلكترونية، التى تشلّ أجهزة الاتصال والرصد.

• حرب الاتصالات، التى قد تصل إلى اختراق وتزييف الرسائل الصوتية والمرئية.

• العمليات النفسية، القائمة على نشر الشائعات والأكاذيب والتلاعب بالعقول، والدماجوجية: وهى أنى أقول لك خبرا سعيدا وأنت تسعد به وتنتشى وبعدها أنزلك على طول رقبتك. زى مثلا لو قولتلك إن جيش مصر التاسع عالميًا، بعدسنة قولتلك احنا أعدنا الترتيب وجيش مصر هو العشرين عالميا ودى حصلت، فلك أن تتخيل وقع ذلك على الشعب وثقته فى جيشه، أو نظرة دول الجوار لهذا الجيش. 

• الحرب السيبرانية، التى تستهدف الأنظمة الإلكترونية الحيوية. مثلما حدث فى إيران، إسرائيل عطلت البرنامج النووى الإيرانى عن طريق قتل العلماء وقتلوا منهم ستة وعطلوا البرنامج إلكترونيًا خمس مرات.

• البرامج الخبيثة، التى تعطل المنظومات العسكرية أو المدنية، وهذا تكلفته لا تساوى شيئًا أمام المعدات العسكرية.

• حرب المعلومات الاقتصادية التى تهدف إلى إضعاف الدولة عبر ضرب ركائزها المالية.

جميع هذه الأدوات تعتمد على التفوق التكنولوجى، وهو ما استثمرته الولايات المتحدة بشكل واسع منذ الثمانينيات، ليس فقط فى المجال العسكرى بل حتى فى المجالات المدنية، مثال استنباط أدوات مدنية كالثلاجة وغيرها، كلها من المجال التطبيقى التكنولوجى العسكرى.

هذه الفكرة فى الحروب الحديثة تسعى إلى ردع الخصم، وقهر الخصم وإضعافه قبل الحرب، حيث تكلف الخصم أكبر خسائر ممكنة قبل خوض الحرب. وخاصة فى البعد النفسى والمعنوى.

يستطرد اللواء بخيت: فى الحرب الحديثة استخدموا حاجة اسمها الاستخدام المحدود للقوة، كضربة جوية أو ضربة صاروخية، لكن لا يخوض حربًا تقليدية كاملة، أمريكا خسرت ٨ تريليونات دولار فى حروب الخليج التلاتة، لذلك من بعدها لا يستخدمون القوة التقليدية وخوض الحروب، هذه هى الحرب التى نتعرض لها جميعًا، والمرئيات كتيرة حفلات تخالف الذوق العام تراجع الأغنية الوطنية استهداف القيمة.. متابعة هفوات المطرب الفولانى، لكن أروح ندوة ثقافية؟ لا.

من هنا تأتى أهمية بناء الوعى. فالبيت، والمدرسة، والجامعة، والأحزاب، ومنظمات المجتمع المدنى، ووسائل الإعلام، جميعها شركاء فى هذه المهمة. لقد نجحنا من قبل، بين هزيمة 1967 وانتصار 1973، حين كان المجتمع كله متماسكًا، وكانت الأغنية الوطنية والخطاب الإعلامى والثقافة العامة فى خدمة الروح القتالية والمعنويات. واليوم، نحن بحاجة إلى استعادة هذه الروح، وإلى صياغة ثقافة تبنى الفرد المقاتل الواعى والقادر على المواجهة.

إن الحرب الحديثة ليست مجرد صراع بالسلاح، بل هى صراع على وعى الإنسان وإرادته وانتمائه. وأساس الانتصار فيها يظل هو الإنسان أولًا وأخيرًا.

الحرب نيران وموت ودم. النيران الإيرانية وصلت لتلّ أبيب، فلا تَتوقَّع أنَّ النيران يَستطيع أحد أن يسيطر عليها بالكامل. النيران تصل إلى أى مكان بمنظومات الحرب الحديثة، فلا تقل: «لا، ده ما يقدَرش». النيران هى نيران، ولكن العبرة فى كثافة القدرة النيرانية أو تأثير القدرة النيرانية: هل هى مؤثرة أم لا؟ وهل أنت أيضًا مؤثر أم لا؟

وحول الحرب فى غزة وما قامت به إسرائيل من عدوان على جبهات عدة وتحليل القدرة فى ضوء ذلك؟ 

قال اللواء بخيت: فى الأيام الأخيرة ظهرت اعترافات دولية بفلسطين ومشروعات سياسية ولكن أراها تهدئة فقط، لأنها مهدت لكى يُحاور من موقع قوة، لكنه فى الحقيقة هو الذى سيكون مضرورا أيضا باستمرار الحرب. لا أريد أن أقول لك وضع إسرائيل الأن: سنتين تحارب، تتكبد خسائر، ومجتمع مشرد، ومجتمع إسرائيلى منقسم، وهجرة للخارج. لا، إسرائيل ذاقت الويل فى هذين العامين، فحين يجيء للجلوس على مائدة التفاوض كما حصل سابقًا يريد أن ينهى الحرب لكن يخرج بما يريد من المكاسب، وهى فى النهاية لم تستطع حسم معارك مع تنظيمات مسلحة وليس مع جيش نظامى.

وحول الحروب السيبرانية الآن وتاثيرها فى الحروب قال اللواء بخيت:

لا يوجد جيش يستطيع أن يوقف أى قوة، ولا دولة تستطيع أن تقف فى مواجهة أى دولة إن لم تُوطّن التكنولوجيا. توطين التكنولوجيا: أنا شارى الطيارة دى من أمريكا، لكن أستطيع أن أفككها وأعرف كل مسمار فيها، وأعرف قدراتها. ماذا حدث فى «البيجر» لعناصر حزب الله؟ الأجهزة وصلت وتوزّعت؛ هل يأتى أحد ويورد أجهزة لتنظيم أو لقوات دون أن تُفحَص؟ هنا يبدأ الاختراق الاستخباراتى. أى معدة تأتيك تُفحَص وتُفكَّك لتُعرَف إمكانياتها وقدراتها، كى تعرف كيف ترد.

وحول قدرة مصر على مواجهة الحرب السيبرانية أكد اللواء بخيت، لدينا أنظمة لحماية مراكز القيادة، وأنظمة لحماية أجهزة السيطرة والاتصالات، وأجهزة لحماية منظومات النيران. لك الحق أن تقلق قليلًا، لكن نحن ننظر إلى الأمور بمقياس علمى وعقلى: ما الذى تملكه أنت؟ وما الذى أملكه أنا؟ ماذا أستطيع أن أفعل بقواتى الجوية؟ ماذا تستطيع أن تفعل؟ أنا قادر على قدرات صاروخية، وأنت قادر على ماذا؟ كل هذا محسوب؛ أجهزة الاستخبارات فى الجانبين حسبت هذه المعادلات.

وأشار اللواء بخيت إلى أن الاعتماد على التكنولوجيا فى الحروب لا يعنى ذلك أن المدفعية والطائرات هى كل شيء؟ لا،  لكل سلاح دوره. القوات الجوية تصل إلى ما لا يمكن أن تصل إليه المدفعية، والمدفعية تصل إلى ما لا يمكن الوصول إليه بأسلحة الضرب المباشرة. أنساق النيران هذه- أنساق بعيدة- والقدرة الصاروخية مداها بعيد جدًا.

وحول الخداع الاستراتيجى فى حرب أكتوبر وكيف تم، يعود اللواء بخيت بالذاكرة ليقول: «لم يكن مجرد خداع ميدانى، بل خداع على مستوى الدولة بأكملها، اشتركت فيه كل المؤسسات، بما فيها الإعلام. الإعلام فى عهد عبدالقادر حاتم لعب دورًا بارزًا فى التمويه والخداع، عبر أخبار وتصريحات مدروسة: ضباط يحصلون على إجازات، تسريح للاحتياط، زيارات خارجية للرئيس، شائعات عن مرضه أو انشغاله، كل ذلك كان يُدار باحترافية فائقة».

الخداع الاستراتيجى أربك العدو تمامًا، لدرجة أن ضباطًا إسرائيليين كانوا يرون التحركات المصرية ولم يصدقوا أن مصر فى طريقها لشن الحرب. هذا التكامل بين الإعلام والدولة كان علامة فارقة. لذلك كان الرئيس السيسى يقول: «يا بخت جمال عبدالناصر بإعلامه»، لأنه إعلام وطنى ذكى استطاع أن يحشد الشعب خلف قيادته.

 القوات المسلحة أثبتت أنها «المؤسسة الباقية»، وأنها النموذج المصرى الذى صمد حين انهارت جيوش دول أخرى فى المنطقة. وهذا يعكس مكانة الجيش المصرى الذى لا يقبل أنصاف الحلول.

وأكد أن مصر اليوم مستعدة لمواجهة حرب سيبرانية حقيقية ضد إسرائيل أو غيرها، وقد تم إعداد الأنظمة الكفيلة بحماية مراكز القيادة والسيطرة والاتصالات ومنظومات النيران.

وهكذا، فإن تنويع مصادر السلاح إلى جانب التصنيع المحلى، وتكامل القدرات التقليدية مع السيبرانية، كلها ركائز تضمن بقاء مصر قوية وقادرة على حماية أمنها القومى وسط التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.

 ويشدد اللواء حمدى بخيت: يجب الاهتمام ببناء الوعى وتماسك الجبهة الداخلية، لأنهما أهم عناصر فى القوة، فمن الشباب يأتى الجنود، وكل قطاعات العمل المدنى، ومنهم قادة المستقبل.

■ «روزاليوسف»: كيف استفادت مصر من درس أكتوبر؟

اللواء نصر سالم: التجربة التاريخية تذكرنا بأن القدرة العسكرية وحدها لا تكفى. فى حرب أكتوبر، مصر تغلبت على فارق خمسين عامًا من التفوق التكنولوجى الإسرائيلى بدعم أمريكى، عبر الابتكار والإرادة والتضحية. لم يكن لدينا قنبلة نووية، لكننا عبرنا القناة بالماء وأحدثنا معجزة. إذًا، اليقين بالله والإيمان بعدالة القضية هما مصدر القوة بجانب التخطيط العلمى. قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾. المطلوب أن نُعد ما نستطيع، والله يكمل الباقى.

اليقين ليس مجرد كلام، بل تجربة عملية. فى ميادين القتال واجهنا مواقف مستحيلة، ومع ذلك تجاوزناها بالإيمان واليقين والعمل. إسرائيل قد تكون أقوى بالسلاح والدعم الأمريكى، لكن عقيدة الجيش المصرى قائمة على أن الدفاع عن تراب الوطن حتى آخر قطرة دم واجب مقدس. لسنا دعاة حرب، لكن إذا فُرضت علينا فنحن مستعدون لها.

الأجيال الجديدة أثبتت ذلك فى مواجهة الإرهاب فى سيناء. شباب صغار واجهوا جماعات إرهابية مدربة ومسلحة بطرق تفوق المتوقع، ومع ذلك حققوا بطولات ومعجزات. وهذا امتداد لعقيدة خير أجناد الأرض التى أكدها الرسول.

الأولى: امتلاك قدرات عسكرية واقتصادية وسياسية ومعنوية متكاملة.

والثانية: استخدام هذه القدرات كقوة ردع لمنع الحرب قبل وقوعها، عبر إظهار القوة وإرسال رسائل واضحة للخصوم، من خلال الاصطفاف وتفتيش الحرب والتدريب المشترك وأساليب عدة، مثلًا الصين فى حفل النصر قدمت عرضًا يمثل إفصاحًا عن القدرة بهدف الردع.

وتابع اللواء سالم: السلام أيضًا يدخل ضمن استراتيجية الردع. فهو ليس استسلامًا بل وسيلة لتفادى تكلفة الحرب الباهظة، حيث إن تكلفة يوم واحد من الحرب تساوى ميزانية تسليح دولة لعام كامل. إذًا الهدف هو منع الحرب من خلال إظهار القدرة على خوضها والانتصار فيها إن فُرضت.

ويستكمل بطل أكتوبر: مصر بعد 30 يونيو واجهت عزلة دولية، لكن سرعان ما استعادت مكانتها عبر بناء القدرات الشاملة: تنويع مصادر التسليح، تطوير الاقتصاد، الاستثمار فى البنية التحتية، تعزيز التعليم والصحة والزراعة، وبناء مدن جديدة. هذه القدرات الشاملة هى التى تجعل مصر اليوم قوة إقليمية يُحسب حسابها.

إسرائيل تدرك ذلك، وأمريكا تعلم أن الدخول فى مواجهة مع مصر لن يكون نزهة. لذلك تُعتبر مصر خطًا أحمر. نحن لا نسعى لحرب، لكن إذا فرضت علينا فلن نتردد.

فى النهاية، العقيدة القتالية لجيشنا ثابتة: لا نعتدى على أحد، لكننا نموت دون أن يدوس أحد ترابنا. هذا ما يجب أن يعرفه المواطن فى القرية أو فى الصعيد أو فى أى مكان: إن الجيش مستعد، وأن العقيدة راسخة، وأن الأمن القومى محفوظ ما دام هناك إيمان بالله، وعلم، وإعداد، وردع.