الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المتحف المصرى الكبير يُحفز الكتابة التاريخية

منذ افتتاح المتحف المصرى الكبير، أحد أضخم الصروح الثقافية فى العالم، يتصدّر الحديث عنه المشهدان الإعلامى والثقافى، لكن أثره العميق لا يزال محل تساؤل لدى الأوساط الأدبية: هل سيقود هذا الحدث الاستثنائى إلى موجة جديدة من الكتابة التاريخية؟ فالمتحف، بما يقدّمه من عرض غير مسبوق للتراث المصرى القديم، يضع الجمهور والكتّاب على حدّ سواء أمام رؤية مختلفة للتاريخ، أكثر قربًا وحضورًا وثراءً. ورغم أن البعض يرى أن الافتتاح قد يشكّل حافزًا قويًا لاستعادة الاهتمام بالسرد التاريخى، يتساءل آخرون عمّا إذا كان هذا الزخم سيدفع الكتّاب فعليًا إلى إعادة استكشاف الماضى وصياغته فى أعمال أدبية جديدة، أم أن تأثيره سيظل محصورًا فى نطاق الزيارة والانبهار البصرى فقط.



 هذا التحقيق يحاول استكشاف الإجابة: إلى أى حد يمكن للمتحف المصرى الكبير أن يغيّر اتجاهات الكتابة المعاصرة، ويفتح بابًا لنهضة جديدة فى الأدب التاريخى؟

 

رباب كساب: حدث مهم يشعرنا بالفخر 

تقول الكاتبة رباب كساب: افتتاح المتحف المصرى الكبير حدث مهم شعرت معه كمصرية أنتمى لهذا البلد العريق بالفخر والسعادة، فكل قطعة آثار مصرية تدل على عظمة هذا الشعب وحضارته، وكإنسانة فأنا مولعة بالمتاحف وبالأماكن القديمة التى دائما تجذبنى نحوها، وتدفعنى دومًا للتساؤل كيف؟ أسرح طويلًا فى كيفية البناء، كيف عاش الناس فى تلك الحقبة التى ينتمى لها المكان؟ كل التفاصيل تشغلنى.

أما بالنسبة إلىّ ككاتبة فلقد سبق وسحرنى منزل يعود للحقبة العثمانية تحول إلى متحف فى العصر الحديث أغرمت به قبل عشرين عامًا ثم بعد أول زيارة بسنوات كتبت عنه رواية (على جبل يشكر).

الحضارة المصرية القديمة هاجس عظيم لا يفارقنى، ولا تفارقنى ماعت، حلمت طويلًا أن تدور أحداث واحدة من رواياتى فى ذلك الزمن البعيد، لكن الأمر صعب، فالكتب وحدها لن تقدم لى إحساس أن أعايش الأماكن وأن أزورها كثيرا مثلما كنت أفعل مع متحف جاير أندرسون أو بيت الكريتلية، لقد مررت بالتجربة وبحلم الكتابة عن مكان زرته كثيرًا لكننى لم أبدأ فى الكتابة وصار أحد أبطالى إلا حينما سكنت إلى جواره وصار فى طريق عودتى لبيتى كل يوم، وبت أتوجه إليه دائمًا، مرات لم أكن أكمل الطريق للبيت، كنت أنزل من السيارة وأذهب إليه وأمضى بعض الوقت متجولة فيه.

المتاحف والمعابد المصرية هى حق أصيل للمواطن المصرى، زيارة الأقصر والمعابد أيضًا تكون مرة وليست مرات، أعتقد أننى إن أردت الكتابة عن الحضارة المصرية القديمة سأذهب لأعيش فى الأقصر فترة طويلة بين جدران المعابد والنقوش.

 علا عبدالمنعم: وقع الكتابة عن القدماء عظيم

الكاتبة علا عبدالمنعم ترى أن افتتاح المتحف المصرى الكبير سيشكل حافزا كبيرا لنا جميعا كمصريين للمزيد من الاطلاع على حضارتنا المصرية القديمة بكل تفاصيلها التى ما زالت تبهرنا وتبهر العالم كله حتى الآن، وكلنا شاركنا وتابعنا تريند صورنا وصور الأصدقاء بالملابس الفرعونية والتى تم تصميمها بتقنية الذكاء الاصطناعى، وكيف جعلتنا تلك الصور نتمنى لو عشنا فى هذه الأزمنة العظيمة بكل ما تحمله من تقدم ورقى وسمو.

وبالنسبة لنا ككتاب للرواية والقصة القصيرة أعتقد أن التحدى سيكون أكبر لنا، ورغم أنى كتبت عملين يمكن اعتبارهما روايتين تاريخيتين إلا أن الكتابة الأدبية فى زمن قدماء المصريين سيكون لها وقع أعظم ومذاق أحلى، وأتمنى أن أتمكن من كتابة عملًا يناقش الحياة الاجتماعية فى هذا الزمن إلا أن ذلك يتطلب قراءة متعمقة وتبحرًا فى علم المصريات لمعرفة تفاصيل الحياة وقتها وما كان يشغل العامة فى هذا الزمان القديم بعيدًا عن حياة الملوك والقصور، ولكى يتأتى لنا ذلك نحتاج إلى مراجع محترمة ومواقع معلوماتية توفر مادة تاريخية صحيحة للخروج بعمل مثل هذا على أكمل وجه، ولنا فى أديبنا العظيم نجيب محفوظ أسوة حسنة فى كل ما قدمه من أعمال ناقشت الحياة الفرعونية بكل تفاصيلها فى رواياته «كفاح طيبة» و«عبث الأقدار» و«رادوبيس» و«العائش فى الحقيقة».

محمود سعيد: خبيئة تنتظر كشف النقاب عنها

الكاتب محمود سعيد يقول: لا شكّ أن افتتاح المتحف المصرى الكبير، ذلك الصرح الحضارى الفريد الذى تغلب قاعة واحدة من قاعاته أكبر المتاحف حول العالم وأكثرها شهرة، وما زامن ذلك الافتتاح من زخم ثقافى واهتمام كبير بتسليط الضوء على تاريخ مصر القديمة، وما أظهره المتابعون والزائرون من مصر والوطن العربى وجميع شعوب العالم من اهتمام بالمتحف، لا شكّ أن ذلك كله يثير قريحة الكتاب والأدباء تجاه نوعية الروايات والقصص التاريخية التى تتناول ذلك العصر القديم والعريق من تاريخ مصر، بل والبشرية كلها.

ذلك التاريخ المصرى القديم الذى يشبه فى حد ذاته خبيئة تراثية تزخر بالكنوز والحكايات والأساطير تنتظر كشف النقاب عنها.

ذلك الاهتمام الشعبى الكبير والحرص غير المسبوق على زيارة المتحف بيّن شغف الزائرين للتعرف على أسرار الحضارة المصرية القديمة، وهو ما يشجع الكتّاب والأدباء على دراسة تلك الفترة الزاخرة من عمر الوطن والبشرية والكتابة عنها، تلك الفترة الزاخرة من الأساس بما يثير قريحة أى كاتب؛ من ملاحم تاريخية وتقلبات فى الأحوال، حلاوة ومرارة، انتصار وانكسار، سحر وفن وعمارة ومحاولات أولية لفهم الكون وما يحيط به من أسرار، قصص حب عارم، وصراعات محتدمة، لا بدّ أن يثير ذلك كله- وغيره من مفردات الأدب التى يزخر بها تاريخ تلك الفترة- قريحة الكتاب والأدباء للكتابة عنه.

وهو ما حدث بالفعل من قبل ككتابة الأستاذ الكبير بهاء طاهر قصة «أنا الملك جئت» التى تجرى أحداثها فى الفترة التاريخية لمصر القديمة، وأيضًا أول ثلاث روايات منشورة للأستاذ العظيم نجيب محفوظ؛ إذ كانت أحداثها جميعًا تدور بنفس الفترة التاريخية، وهى روايات «عبث الأقدار» و«كفاح طيبة» وبينهما رائعته الخالدة «رادوبيس».

سرور: الافتتاح يوقظ شهية السرد التاريخى

الكاتب محمد سرور يرى أن افتتاح المتحف المصرى الكبير ليس حدثًا ثقافيًا عابرًا، وإنما فعل بعث جديد وعميق لذاكرة كادت أن تنسى، وتاريخ انشغلنا عنه وأهملناه، أشعر وكأن تاريخنا المصرى، بثقله وعظمته، قرر أن يشق جدار الحاضر بالقوة ليذكرنا أنه ما زال حيًا، يتنفس تحت ثقل الزمن، ويريد أن نصغى إليه من جديد.

وبالطبع هذا الافتتاح العظيم، يوقظ شهية السرد التاريخى فى العموم، وعن الحضارة المصرية بالأخص، ويفتح أمام الرواية بابًا واسعًا نحو التأمل فى فكرة الهوية.

ولكن علينا الحذر هنا، فنحن لا نريد الرواية التاريخية بمعناها التقليدى، الروائى لا يجب أن يسعى إلى توثيق ما كان، فهو ليس مؤرخًا، وليس هذا دور الرواية أيضًا، بل يجب تفكيك التاريخ وإعادة تركيبه داخل وعى معاصر، يجب أن يكون الماضى مرآة للحاضر والمستقبل لا نسخة منهما. والتحدى الحقيقى هنا أن نكتب عن مصر القديمة دون أن نسجن فى متونها. هذا فى تقديرى أكبر تحد أمام الكاتب اليوم.

أما بالطبع من منافع المتحف، فإنه لا يتوقف بنا عند حدود المعرفة فقط، بل يتجاوز ويقفز إلى أفق الإلهام، فالكاتب حين يخطو فى أروقته، لن يرى مجرد تماثيل وأحجار، بل سيسمع همس العصور القديمة، سيسمع صوت أخناتون وهو يعلن ثورته على تعدد الآلهة باحثًا عن نقاء الضوء الواحد، وسيرى حتشبسوت وهى تعيد تعريف السلطة كأنثى تجلس على عرش الرجال.

ذلك لأن المتحف لن يمنح الكاتب مادة فحسب، بل طاقة رؤيوية أيضًا.. فكل قطعة معروضة هى نص محتمل، وكل حجر يخفى شيفرة جمالية تنتظر من يفكها باللغة، إغراء مستمر قوى وملاحق للكاتب يدفعه ليعيد صياغة التاريخ فى شكل أسطورة إنسانية معاصرة، لا تمجيدًا مجردًا فى الماضى بالطبع، ولكن بحثًا عن جذورنا وأنفسنا.

ثم إن ذلك الأغراء وتلك الشهية، لن يكونا لنا نحن كتاب العرب فقط، بل سيتحولان إلى نداء عالمى، فكل من يقف أمام عظمة هذه الحضارة سيشعر أن شيئًا من الحمى أصابته، حمى الكتابة أمام العظمة والخلود.