الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نكشف لغز اختفاء جيش قمبيز فى بحر الرمال العظيم

نكشف لغز اختفاء جيش قمبيز فى بحر الرمال العظيم
نكشف لغز اختفاء جيش قمبيز فى بحر الرمال العظيم




أشرف أبوالريش يحقق من الصحراء الغربية

يثبت التاريخ يومًا تلو الآخر أن مصر بالفعل هى مطمع كبير لكل القوى العظمى على مدار التاريخ القديم والحديث لأن الله وهبها كنوزًا كثيرة لم يفطن إلى تلك الهبات العظيمة سوى الطامعين والغزاة.. لم يزل هذا البلد هبة الخالق العظيم وهى بالفعل كنانته فى أرضه ومنه قراء المصريون فى الكتب عن بلدهم فلن يعرفوا قيمة هذه الأرض العظيمة إلا إذا شاهدوا كل شبر من أراضيه على أرض الواقع فليس من رأى كمن سمع أو شاهد بعينيه.. ومن أقصى الشرق من سيناء إلى أقصى الغرب فى مصر حيث الصحراء الغربية ومنطقة الواحات والصحراء البيضاء فى محافظة الوادى الجديد قطعت ما يقرب من 600 كيلو متر من القاهرة حتى واحة الفرافرة التى تشهد نقلة نوعية لم تحدث منذ سنوات طويلة فى العديد من الاستثمارات الزراعية والاقتصادية الواعدة التى من الممكن أن تنقل محافظة الوادى إلى آفاق جديدة على طريق التقدم والرفاهية.

وتعد هذه المحافظة من أكبر المحافظات على مستوى الجمهورية بل من الممكن أن تحتل ثالث أكبر إقليم على مستوى القارة الإفريقية حيث تصل مساحتها ما يقرب من مساحة شبه جزيرة سيناء بثلاثة أضعاف بها كل المقومات الجاذبة للسكان من قديم الأزل وحتى يومنا هذا.
فى بداية رحلتى لعمل تحقيق آخر من سلسلة التحقيقات والحوارات الاستقصائية ومن خلال الحلقة الخامسة ركزت على منطقة الصحراء الغربية وتحديدًا الصحراء البيضاء التى تعد من عجائب قدرة الله فى الأرض حيث التكوينات الربانية للجبال الجيرية وبعض التكوينات فى منطقة وادى البطيخ حيث تتجلى قدرة الخالق العظيم عندما ترى كتلاً من الأحجار والمعادن على أشكال مثل البطيخ لا يعرف متى تكونت هذه الأشكال منذ قديم الأزل.
واجهتنى صعوبات كثيرة فى هذا التحقيق كان أهمها الخوف على حياتى خاصة أن دخول الصحراء أصبح ممنوعًا منذ فترة طويلة بسبب العمليات الإرهابية ودخول الأسلحة من منطقة الحدود الغربية وتحديدًا فى المسافة التى تصل إلى مئات الكيلو مترات باتجاه ليبيا وفى الطريق الصحراوى الواصل من الواحات البحرية وحتى واحة الفرافرة وفى منطقة الكيلو 100 قام الإرهاب بضرب كمين للجيش عدة مرات خلال العام الماضى وتم الإعلان بأن منطقة الصحراء الغربية مغلقة أمام رحلات السفارى وأصدرت الجهات الأمنية منشورًا إلى كل شركات السياحة والسفارى بعدم الدخول لمنطقة الصحراء الغربية وذلك خوفًا على حياتهم لم يلتفت بعض أصحاب شركات السياحة إلى تلك التحذيرات من القوات المسلحة فضرب البعض عرض الحائط بتلك التعليمات المهمة فكان الحادث الأليم لمجموعة السياح المكسيكيين الذين دخلوا للتخييم فى الصحراء بالقرب من الواحات وتعرضوا لإطلاق النار من قوات الأمن.
لكن تأتى روح المغامرة والبحث عن الذات فى تحقيق جديد يكشف لنا عن أجمل بقاع الدنيا فى مصر.. حيث الصحراء الشاسعة والوديان الخضراء ومناظر الطبيعة التى تجعلك تكتشف بأنك  لا تعرف شيئًا عن بلدك.
استعنت بالله وتوكلت عليه ورزقنى الله الصحبة الطيبة فعقدنا العزم على الدخول إلى منطقة الصحراء البيضاء ورصد ما فيها من مناطق طبيعية والعودة إلى واحة الفرافرة ثم الانطلاق مرة أخرى على بعد ما يقرب من 160 كيلو مترًا إلى الصحراء الغربية ومنطقة بحر الرمال الأعظم حيث مشاهدة آثار تدمير جيش قمبيز الفارسى عام 525 قبل الميلاد الذى حير العلماء على مر العصور ولم يستطع أحد فك لغز فناء هذا الجيش قبل وصوله إلى واحة سيوة.
ويؤكد أحد أهم المغامرين لمنطقة الصحراء الغربية هشام نسيم والذى تعلم على يد أبرز علماء الجيولوجيا فى هذا العصر وهو الدكتور بهى عيسوى والذى رسم معظم خرائط مصر ويعلم بجميع دروب صحاريها وأوديتها من الشرق وحتى الغرب فيقول عن منطقة الصحراء الغربية وتحديدًا الصحراء البيضاء والتى تنقسم إلى قسمين من ناحية الشرق والغرب أن تلك المنطقة بها من عناصر الجذب السياحى الذى يفوق ما يوجد فى العديد من دول العالم حيث التكوينات والأشكال الطبيعية من قديم الأزل خاصة وادى أسنان الأسماك «أسماك القرش» والبئر السحرية ومنطقة وادى البطيخ ومراعى الغزلان وكهف الجارة وهو الكهف الوحيد فى مصر وإفريقيا الذى ليس له مثيل فى العالم ويعد من أقدم الكهوف على وجه الأرض تم تشكيله من ملايين السنين ويأتى إليه علماء الجيولوجيا وعلوم الأرض من كل مكان ولا يعرفه كثير من المصريين، مشيرًا إلى أن تلك الأماكن المنسية من أهل بلدنا يسعى كثير من العلماء الذين يأتون إلى منطقة الصحراء الغربية والصحراء البيضاء إلى جعلها من أهم التراث الإنسانى الذى من الممكن أن يكون مركزًا لعلوم الأرض فى تلك المنطقة الفريدة.
مشيرًا إلى أن منطقة الغرب غرب الفرافرة باتجاه حدودنا مع ليبيا حيث الأسرار التى لا يعرفها الكثيرون من المصريين متمثلة فى آثار إنسان ما قبل التاريخ وآثار أسماك القرش من ملايين السنين وبعض كهوف المصرى القديم ومنطقة صحراء الأبيض التى تميزت بتشكيلات رسوبية وبعض الكائنات البحرية القديمة ويتحدث نسيم عن منطقة بحر الرمال الأعظم الذى دخلها العديد من المرات مع بعض العلماء من مصر والدول الأوروبية فيوضح أن منطقة «قس أبوسعيد» وهى هضبة يصل طولها إلى 400 متر وتمتد إلى ما يقرب من  100 كيلو متر مربع حيث الطريق الذى سلكه جيش  قمبيز عبر صحراء الفرافرة متجهًا إلى منطقة سيوة لتدمير معبد آمون، كما ذكرت المصادر التاريخية التى أكدت أن هذا الجيش بلغ عدد أفراده ما بين 10 آلاف جندى و50 ألف فرد قد اختفى فى تلك المنطقة ولم يظهر منهم جندى واحد وهو ما دفع الكثيرين من علماء الجيولوجيا والمغامرين من كل مكان لمعرفة سبب فناء هذا الجيش وعدم العثور على رفات أى من جنوده حتى يومنا هذا حتى أننى أمضيت 8 سنوات فى هذا المكان بحثًا عن بقايا الجيش الفارسى بقيادة «قمبيز».
وجاءت فك طلاسم هذا اللغز الكبير على لسان الدكتور على بركات العالم الجيولوجى المشهور والذى عثر على آثار جيش قمبيز وهى عبارة عن عظام وأسنان من النحاس وعدد قليل من أسلحة وحراب الجيش وكانت من المعدن وقد اختفت تلك الآثار بعد العثور عليها من أحد المخازن التابعة لهيئة الآثار وقد حاول بعض المغامرين البحث مرات عديدة فى محيط منطقة واحة البحرين على بعد 150 كيلو من واحة الفرافرة للعثور على آثار أخرى لجيش قمبيز إلا أنهم لم ينجحوا نظر لخطورة منطقة بحر الرمال الأعظم.
وتأتى مقولة أن مصر مقبرة الغزاة صحيحة مائة فى المائة فما من جيش أو عدو حاول غزو هذه البلاد إلا وفشل والقارئ الجيد للتاريخ يكتشف أن جميع من دخلوا غزاة إلى بلادنا لم يستطيعوا تغيير طبيعة المصريين من عهد الفراعنة وحتى العصور الحديثة.
ومن خلال كل هذه المعلومات عن فناء جيش قمبيز يتأكد لنا من خلال نظرية العالم الجيولوجى وخبير الآثار الدكتور على بركات الذى عثر بالفعل على بقايا جيش  قمبيز أن الجيش الفارسى تعرض لعدة عوامل يجب التأكيد عليها وهى تعرض الغزاة للموت على مراحل داخل بحر الرمال العظيم وذلك بسبب وجود آثار الجيش على نطاق واسع ولكن تظهر الدلائل على تعرض قمبيز ومن معه من الجنود لعمليات تسمم من المياه والعيون التى كانت منتشرة فى طريق الجيش قبل دخوله إلى منطقة سيوة لتدمير الحضارة المصرية القديمة أيام الأسرة الثامنة عشر حيث تؤكد الشواهد العلمية والتاريخية على تقدم الفراعنة فى هذا العصر فى علوم الكيمياء إضافة إلى أن المصريين رصدوا طريق جيش قمبيز وكانوا لا قدرة لهم على مواجهته فلجأوا إلى عملية تسميم مياه الآبار والوديان التى يمر عليها الجيش الفارسى.
وبعد تعرض معظم الجنود للهلاك سارع قمبيز بالهروب بمن تبقى من جيشه إلى واد عميق وعسكر فى هذا الوادى لكى يحتمى من العواصف وتم العثور على أسلحة وبقايا لجيش قمبيز فى هذا الوادى على الرغم من كل هذه المعلومات يبقى هلاك جيش قمبيز فى بحر الرمال العظيم لغزًا محيرًا لكثيرين من العلماء والمستكشفين لمنطقة الصحراء الغربية.
من جانب آخر لا يمكن أن نغفل نظرية مهمة فى اختفاء جيش قمبيز والذى أعلن عنها عالم المصريات الهولندى أولاف كابر، حيث أعلن العام الماضى من خلال صفحته الشخصية عن اكتشاف أثرى فى منطقة الواحات الداخلة يرجح أن الجيش الفارسى المختفى فى الصحراء الغربية بسبب عاصفة رملية شديدة، مؤكدًا أن الجيش لقى هزيمة هناك على يد متمرد أصبح لاحقًا الفرعون بيتوباستيس الثالث فى عام 524 قبل الميلاد.
وقال كابر: اكتشفنا لأول مرة كتلا حجرية من بقايا معبد فى منطقة «أمهدة» بالواحات الداخلة تحمل ألقاب الفرعون بيوتاباستيس الثالث الذى تمرد على الغزو الفارسى لمصر، مما يعنى أن تمردا قاده ارتبط بالواحات، ويرجح الكشف أن جيش قمبيز الثانى الفارسى لقى هزيمة على يديه»، وغزا الفرس مصر فى نهاية القرن 26 قبل الميلاد وحكموها نحو 120 عامًا فى عهد الأسرتين الـ27 والـ28 من بين 30 أسرة فرعونية، وحكموها مجددًا لفترة قصيرة قبل غزو الإسكندر الأكبر لها عام 332 قبل الميلاد.
وأضاف كابر «هذه هى المرة الأولى التى يكتشف فيها نقوش تتعلق ببيوتاباستيس فى الواحات، بخلاف نقوش  من منف (جنوب الجيزة)، ونقش فى اللوفر، وأشار إلى أن تفاصيل الكشف ستنشر لاحقًا.
وأكد كابر على ما كتبه الرحالة والمؤرخ اليونانى هيرودوت بعد اختفاء الجيش بخمسة وسبعين عامًا بأنه تعرض لعاصفة رملية شديدة ولم يعد من الصحراء، قائلاً: إن الكشف يوضح أن الجيش لم يمر فحسب بالصحراء بل أرسل إلى الواحات التى كانت وجهته للقضاء على متمردين، وأنه على الأرجح هزم.
لافتًا إلى أن «بيتوباستيس» الثالث استعاد جزءًا من مصر كان الفرس قد احتلوه، ووجود اسمه فى الواحات الداخلة يجعل من المحتمل أنها كانت  قاعدة حشد قوة لتمرده على الغزو الفارسى  الذى استطاع طردهم من منف لاحقًا وتوج فرعونا هناك.
ويقول كابر من غير المرجح أن تكون عاصفة رملية قضت على الجيش.. ليس هناك أى واقعة شبيهة فى التاريخ خاصة أن الإمبراطور الفارسى داريوس الذى احتل مصر مجددًا بعد عامين أرجع هزيمة سلفه قمبيز المخزية إلى عوامل طبيعية خاصة أن هناك منذ القرن التاسع عشر الكثير يبحثون عن هذا الجيش هواة وعلماء آثار البعض يتوقع أن يجده فى مكان ما  جيشًا كاملاً بكل معداته وقد تعلمنا أن من الخبرة فى الصحراء أنه لا أحد يموت بسبب عاصفة رملية ناهيك عن فناء جيش كامل.