الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لنقرأ تاريخنا

لنقرأ تاريخنا

من لا يقرأ التاريخ لا يستطيع أن يرسم المستقبل، المستقبل هو بالتأكيد نتاج طبيعى للماضى والتاريخ المصرى طويل وعريق وعميق عمق الزمان والوجود الإنسانى، وهنا دعونا نتطرق إلى بعض من التاريخ المصرى الحديث لنذكر به. 



ولنبدأ بما  قبل دولة «محمد على»  حيث كان سكان مصر يتألفون من طوائف وجماعات، كالمماليك والقبائل العربية والفلاحين، وكان أجدادنا يعرفون موقعهم جيدًا من تلك التقسيمة  العرقية التى صارت غامضة بعد موجات التحديث الاجتماعى المتتالية التى أعادت رسم الخريطة  الاجتماعية المصرية، وأعادت توزيع المصريين سكانيًا من خلال الهجرة الواسعة من الريف، أو من خلال الانتقال بين الأقاليم المصرية أثناء الخدمة فى الوظائف الحكومية.

 كمصرى  من الممكن تجد فى عائلتك شخصًا  أبيضَ البشرة وآخر أسمر الأسمر ومن هو شديد السمرة، وربما تجد ذلك الاختلاف قائمًا حتى فى الأسرة الواحدة أحيانًا، وهو ما يثير العديد من الأسئلة عن كيف اجتمعت كل هذه الصفات الوراثية فى العائلات المصرية، وكيف أصبح الشعب المصرى على ما هو عليه اليوم، وكيف تشكلت تلك الصفات  العرقية للمصريين عبر العهود والأزمنة المتعاقبة؟

على خلاف ما يعتقد الكثيرون، يعود دخول العرب فى مصر إلى قرون عديدة قبل الإسلام، حيث كانت القبائل العربية تأتى فى موجات من الهجرة من الحجاز والجنوب الغربى لشبه الجزيرة العربية لتستقر فى الشمال الشرقى لمصر عادة.

بعد دخول الإسلام مصر فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب بدأت موجة جديدة من الهجرات العربية إلى مصر، وفى هذا السياق يقول ابن عبد الحكم فى كتابه «فتوح مصر»: إن مدينة الفسطاط التى أنشأها عمرو بن العاص، تم تقسيمها خططًا بين القبائل العربية التى شاركت فى الفتح، ومن تلك القبائل يذكر ابن عبد الحكم على سبيل المثال أسلم، وغفار، وجهينة، وخزاعة، والليثيين آل عروة بن شييم، وبنى معاذ من قبائل مدلج، وعنزة من قبائل ربيعة، وقبائل الحجر من الأزد، وهذيل، وعدوان، وبنى يشكر ولنعد لدولة المماليك فقد انقسم المماليك فى مصر تاريخيًا إلى عنصرين أساسيين : «المماليك البحرية» و«المماليك البرجية».

المماليك البحرية كانوا مماليك السلطان الأيوبى الصالح أيوب الذى بنى لهم قلعة فى جزيرة الروضة بالنيل، ومن هنا جاءت تسميتهم بـ «البحرية». بعد وفاة الصالح أيوب تزوجت أرملته شجرة الدر من القائد المملوكى عز الدين أيبك وتنازلت له عن الحكم، ليصبح سلطانًا للبلاد لينتهى حكم السلالة الأيوبية ويبدأ عهد حكم المماليك البحرية.

فى المقابل، كان أول قدوم لـ «المماليك البرجية» أو «الجركسية» فى مصر فى عهد المنصور سيف الدين بن قلاوون الذى شرع فى شراء طائفة جديدة من المماليك ترتبط به وتختص بالولاء له سميت آنذاك بـ «المماليك السلطانية»، وهى تختلف فى أصولها عن طوائف المماليك البحرية المنحدرة من العرق التركى الكازاخي، التى كانت ضد تعيين قلاوون وأبنائه فى السلطة.

لذا اختار قلاوون أن ينشئ فرقة جديدة من عنصر قوقازى الجنس أطلق عليه فى المؤرخين  اسم «الجركس» أو «الشراكسة». وحرص على الفصل بينهم وبين طوائف المماليك البحرية فأسكنهم فى أبراج القلعة، أى فى مركز إقامته، ليكونوا حماية له ولأولاده، ومن ثم أطلق على هذه الطائفة فى التاريخ اسم  المماليك البرجية.

كان المماليك عموما يشكّلون قمة الهرم الاجتماعى فى مصر وعلى رأسهم السلطان. داخل طبقة المماليك ذاتها كان هناك تفاوت كبير بين كبار الأمراء الذين يحملون رتبة «أمير مائة مقدم ألف» الذين كان يبلغ عددهم فى العادة 24 أميرًا، والمماليك الأقل رتبًا الذين يشكلون قاعدة تلك الطبقة الاجتماعية. وبين الفئتين نجد أمراء الأربعين وأمراء العشرات.

أبناء المماليك كان يطلق عليهم مصطلح ولاد الناس ،  ومن هنا نشأ العرف فى مصر على تسمية أبناء الطبقة العليا من المجتمع بهذا المصطلح المستمر حتى اليوم. ومعروف  أن هؤلاء  كانوا لا ينتمون لطبقة المماليك العسكرية، ولكن كان مصدر دخلهم الأساسى ما يحصلون عليه من «رِزَق» من الدولة، و«الرزق» هو أراضٍ كانت الدولة تمنح حق استغلالها والاستفادة من ريعها لبعض الأفراد.

 وعلى الرغم من ذلك اتجه بعض من «أولاد الناس»  إلى العمل فى التجارة أو للدراسة الدينية والعمل فى التدريس أو الفتوى أو القضاء، كما اشتهر بعضهم بالكتابة التاريخية، وكانت تلك الطبقة هى حلقة الوصل بين المماليك والمجتمع المصري، حيث كانوا يتزوجون عادة من مصريات.

ومن المعروف أن الانقسام فى تركيبة  الحكم فى مصر موجود منذ عهد المماليك بين الترك والشراكسة، وبين المماليك القدامى ومحمد على وأسرته، وبين العسكريين ذوى الأصول المصرية كعرابى وزملائه فى الثورة العرابية  والجنود  الأتراك والشراكسة –  وأن هذا الانقسام ظل كشرخ عميق وغائر فى بنية السلطة فى مصر حتى ثورة الضباط الأحرار فى 23 يوليو 1952 وكان قوام تنظيمها  من أبناء المصريين الذين دخلوا إلى الكلية الحربية فى دفعة استثنائية تم قبولها على عجل لظروف الحرب العالمية الثانية.