السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الثقافة الإلكترونية والهوية السائلة

الثقافة الإلكترونية والهوية السائلة

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى مرتعا وفضاء غير محكوم للفتاوى والاجتهادات التى تصل الى حد الشطط فى كل أمور الحياة بكل أشكالها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الدينية، وقد يكون هذا بقدر خطورته أمرا محمودا لاكتشاف كيف يفكر المجتمع والى أين يتجه الرأى العام وكيف يعبر البسطاء وأنصاف المتعلمين عن آرائهم ؟



إلا أنه على المدى البعيد سوف يصبح من أخطر ما انتجته التكنولوجيا، ولكن دعونا نبدأ القصة من البداية بعد أن

أصبح مصطلح الثقافة الاكترونية أكثر شيوعا فى أبجديات الشعوب فى الوقت الراهن، وهى تعنى المعطيات الثقافية الجديدة لتداعيات استخدام تكنولوجيا الاتصال الجديدة مذهلة التطور والتى وفرت وقتا وجهدا وسرعة فائقة، واستخدامها فى الحياة اليومية والمعاملات والتفاعلات والأدوار المؤسسية والمجتمعية و يعد استخدامها مؤشراً للتطور الحضارى، وبذلك فرضت نفسها كمكون أساسى من مكونات الثقافة الحضارية العالمية. لقد مرت الثقافة الغربية بمراحل تطور تاريخية من ثقافة تقليدية إلى ثقافة خيالية إلى ثقافة واقعية ثم إلى الحداثة ثم إلى مابعد الحداثة وأخيرا الثقافة الاكترونية التى عززتها أدوات تكنولوجية حديثة وميديا أثرت فى انتشارها وغزوها بقاع المعمورة فى فترة زمنية وجيزة، كما ساعدتها بعمق العولمة الثقافية التى صنعت منها مكونا أساسيا من مكونات الحضارة العالمية الحديثة، وكأن عصر الحداثة، وحلول عصر جديد وثقافة جديدة هى الثقافة الاكترونية، والتى بدأت تغزوا العالم وبدأنا نسمع ونرى ونتعامل مع الحكومة الاكترونية والصحف الاكترونية والتعليم الاكترونى والبنوك الاكترونية والصفقات التجارية وارسال المراسلات واجراء الاتصالات الهاتفية صوتا وصورة ومواقع التواصل الاجتماعى التى تحفز وتعبىء الجماهير تجاه فكر وقضابا محددة كما ظهرت المجتمعات الافتراضية والجماعات والمجموعات الافتراضية والسفارات الافتراضية والخدمات الافتراضية سواء للمشكلات والقضايا الفردية أو الاسرية أو الجماعية أو المجتمعية حتى العالمية أيضاً، 

الثقافة الاكترونية بذلك ساعدت على بناء مجتمعات ومنظمات وجماعات افتراضية تنموا ويزداد حجمها شيئا فشيئا وهى ليست مغلقة، والمشاركة الايجابية للمتلقى وشعوره بالحرية، وحرية وإمكانية المقابلة الاكترونية فى الفضاء الكونى وباختصار فإن هذه الثقافة غيرت كثيراً من الطريقة التى تحيا بها الشعوب وتفاعل الأفراد ومشاركتهم. إن التعامل مع «الثقافات الإلكترونية» ينبغى أن يكون من منطلق اعتبارها امتدادا و»تضخيما» للعالم اليومي، وليس -كما هو شائع- مجرد عالم موازٍ. فهذا التشكيل ناتج من كثير من البنى والأدوات والأفكار والأيديولوجيات المتصاحبة. وتشتمل هذه الثقافات على وفرة فى المواقع والتطبيقات؛ فتمتد من التطبيق إلى التعبئة، ومن الاقتصاد إلى السياسة، ومن الترفيه إلى الإدمان..

إن الهويات فى الفضاء الإلكترونى طيعة، كما لم تكن من قبل. فالهويات على الإنترنت والصفحات الرئيسة وهويات البريد الإلكترونى والأجساد غير مستقرة بطبعها..

الهوية فى هذه العوالم تقبل إخضاعها للعمليات كافة، فمنذ البداية يجد المرء نفسه حرا فى الاختيار أو الإنكار أو التقليد. بمعنى أنه أمام إمكانية اختيار هوية قد لا تكون لها علاقة بنوعه الاجتماعى أو عرقه فى الحياة الواقعية، وبالتالى لعب أى دور يختارونه؛ لأنه من الصعب التثبت من الهوية المقدمة فى الفضاء الإلكترونى وهنا تكمن الخطورة . حيث يمكنه كذلك عرض أو بالأحرى استعراض الجسد الدميم فى هيئة جميلة وجذابة فى هذا الفضاء؛ فما أكثر البرامج التى تسمح للأفراد باختيار لون بشرتهم، وشعرهم وأعينهم حتى إمكانية تغيير شكلهم كليا. كما تقبل هذه الهوية الخضوع لتضخيم فى الفضاء الإلكترونى بعمل عديد من الإضافات استنادا إلى عديد من الخيارات المتاحة. بهذا توصف هذه الهوية المتحولة الطيعة غير المستقرة فى الفضاء الإلكترونى بكونها «هوية سائلة». تجمع الدراسات الثقافية على أن الثقافات الإلكترونية لا يمكن التعامل معها باعتبارها محض عوالم افتراضية منشأة باستخدام الكمبيوتر، ولكن باعتبارها أساسا تشكيليا مرتبطا بالمادى والواقعي، ومتجذرا فيه، ومتأثرا به ومؤثرا فيه. 

يظل هذا التشكيل نتاج مزيج مركب من البنى والأدوات والأنظمة، أى بين ما هو اقتصادى وقانونى وسياسى واجتماعى وثقافي، فالأفكار والأيديولوجيات تجمع الاقتصاد السياسى بالمعلومات والتمويل العالمى بالرأسمالية ومنطق السوق.. وهلم جرا، حتى تفرض التعامل مع هذه الثقافات على أنها مدمجة فى العالم الواقعى والمادى ومتصلة به.