الإفلاس الكبير
لا تنقضى عجائب عصر المعلومات الذى نعيش فيه، فكلما اعتقدنا أننا قد وصلنا إلى درجة تشبع ،و نضج فيما يخص التقنيات والتطبيقات والمعاملات، نجد مفاجأة جديدة تعيدنا إلى نقطة البداية؛ حيث الكثير من التخوف والترقب وعدم اليقين، فمنذ عدة أيام تم الإعلان عن إفلاس منصة FTX ،وهى إحدي أكبر بورصات تداول العملات المشرفة فى العالم، وأن ثروة سام بانكمان فرايد الرئيس التنفيذى للمنصة قد تناقصت من 26 مليار دولار هذا الصيف إلى 16 مليار دولار فى بداية هذا الأسبوع، ثم وصلت إلى صفر بحلول يوم الجمعة الماضية.
هذا الإفلاس لن يؤثر فقط على المتعاملين مع تلك البورصة من الأفراد الطبيعيين، بل يتخطى هذا إلى أكثر من 130 كيانًا وشركة مرتبطة بها، أما عن بعض الأسباب المعلنة لذلك منها ما هو مرتبط بسمعة الشركة ودرجة الشفافية فى الإعلان عن قوائمها المالية ،واحتياطياتها ومنها ما هو مرتبط ببعض الممارسات غير القانونية، ومنها بالطبع ما حدث مؤخرًا فى سوق العملات المشفرة من تراجع كبير فى الثقة، وفى القيمة ،فعلى سبيل المثال تراجعت قيمة عملة البتكوين المشفرة من 67 ألف دولار نهاية العام الماضى إلى حوالى 17 ألف دولار حاليًا ،وهو ما يؤكد أن تلك العملات لا يمكن أن نعتبرها مخزنًا آمنًا للقيمة، وأن المضاربات التى تتم عليها لا تعدو أكثر من سباق محموم غير مرتبط بأى قيمة مادية حقيقية متفق عليها على الإطلاق، وهو ما يعيد وجهة نظر بعض البنوك المركزية، فى أن تلك العملات فى غاية الخطورة، و تحمل مقومات انهيارها ربما بصورة أخطر ،وأسرع أيضًا من مقومات انتشارها ونموها.
عودة إلى المنصة التى أعلن عن أن وزارة العدل الأمريكية، ولجنة الأوراق المالية والبورصات، سيقومان بالتحقيق فى الأمر، كما أن السلطات الأمريكية قد فتحت تحقيقًا مع سام بانكمان، الذى يعتقد أنه مختبئ فى أحد المنتجعات الخاصة.
على الجانب الآخر، يرى البعض أن أزمة العملات المشفرة لا تعنى كتابة شهادة وفاة لها، ولكن يمكن اعتبارها شهادة ميلاد جديدة لأسلوب أكثر رزانة تحوطه قواعد حاكمة تقلل من تلك التغيرات الحادة مثلما حدث فى نهاية التسعينيات من القرن الماضى فى أزمة الشركات والتى عرفت بفقاعة الدوت كوم ،حيث ارتفعت أسهم تلك الشركات الناشئة الجديدة المعتمدة على شبكة الإنترنت إلى نسب مهولة، ثم سرعان ما انهارت تماما ببساطة؛ لأن تلك الشركات والمقبلين عليها لم يقوموا بالتركيز على أهم عناصر تقييم نجاح الشركات، ألا وهو قدرتها على تنمية رأس المال الخاص بها، و انصرف تركيزهم على أمور أخرى لا يجب بالضرورة أن تؤدى إلى تلك النتيجة وهذا المؤشر الأهم فى قياس نجاح أى شركة.