الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أمن الملاحة

جهود مصرية لاحتواء التصعيد فى البحر الأحمر

تقرير - أحمد امبابى



حذرت الدولة المصرية، منذ بدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فى السابع من أكتوبر الماضى، من مخاطر اتساع دائرة الصراع إلى المنطقة وتحوله لصراع إقليمى يطال دول أخرى بالشرق الأوسط، وهو ما يفاقم ويضاعف من فاتورة الحرب والصراع على دول المنطقة أولا، ثم يمتد ليطال مصالح الدول الكبرى والقوى الدولية.

من هذا المنطلق، تأتى خطورة التطورات التى تشهدها المنطقة فى ضوء استمرار العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وامتدادات هذا الصراع إلى الجنوب اللبنانى وإلى منطقة البحر الأحمر مع الحوثيين فى اليمن وفى العراق، وإذا أضفنا إلى ذلك التطورات التى تشهدها السودان فى ضوء الصراع الداخلى الممتد منذ نحو عشرة أشهر، نجد أن هناك حالة من عدم الاستقرار فى منطقة البحر الأحمر الاستراتيجية، والتى تتداخل فيها مصالح عديدة لدول إقليمية وقوى دولية، والتعاطى مع تلك التطورات أشبه بالمشى على الأشواك، بحكم تداخلات تلك الأزمات المعقدة.

المشهد فى منطقة البحر الأحمر شديد التعقيد، بداية من ارتدادات العدوان على قطاع غزة، بقيام جماعة الحوثيين فى اليمن بتهديد السفن الإسرائيلية والأمريكية المارة بالبحر الأحمر، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل تحالف دولى لمهاجمة الحوثيين فى اليمن وتوجيه ضربات عسكرية لجماعة الحوثيين، وفى نفس الوقت مازالت تداعيات النزاع المسلح بالسودان تلقى بظلالها وتأثيراتها على منطقة القرن الإفريقى المطلة على البحر الأحمر.

وفى ظل هذه الحالة زادت إثيوبيا الوضع تعقيدًا بإبرام اتفاقية مع «إقليم أرض الصومال»، غير معترف به دوليا، لاستغلال الموانىء البحرية على البحر الأحمر لمدة 50 عامًا، بالمخالفة للوائح الاتحاد الإفريقي، وهو ما تسبب فى خروج احتجاجات عديدة داخل الصومال، وإعلان التصعيد من الجانب الصومالى تجاه أديس أبابا، حيث شهدت مناطق عديدة فى الصومال تظاهرات ضد أطماع الحكومة الإثيوبية، وتندد بالاتفاق البحرى غير القانونى الذى تم توقيعه.

التحذيرات المصرية

هذه التطورات كان التقدير المصرى لمخاطرها حاضرا باستمرار، بل كان سابقا لتصعيدها، ففى الوقت الذى تتعاطى فيه الدولة المصرية مع تطورات العدوان فى قطاع غزة، وتسعى لوقف نهائى لإطلاق النار، والسير فى اتجاه حل شامل للقضية الفلسطينية، حذرت من التطورات الإقليمية لهذا الصراع وتحديدًا فى لبنان واليمن والعراق، وطالبت المجتمع الدولى بالسعى لعدم اتساع دائرة الصراع للمنطقة.

فى نفس الوقت أعربت الدولة المصرية عن قلقها البالغ من تصاعد العمليات العسكرية فى منطقة البحر الأحمر والغارات الجوية التى تم توجييها لعدد من المناطق فى اليمن، ودعت فى بيان لوزارة الخارجية لضرورة تكاتف الجهود الدولية والإقليمية من أجل خفض حدة التوتر وعدم الاستقرار فى المنطقة، بما فى ذلك أمن الملاحة  فى البحر الأحمر، وأكدت مصر على حتمية الوقف الشامل لإطلاق النار فى غزة وإنهاء الحرب القائمة ضد المدنيين الفلسطينيين، لتجنيب المنطقة المزيد من عوامل عدم الاستقرار والصراعات والتهديد للسلم والأمن الدوليين.

وفيما يتعلق بالتطورات الخاصة بإبرام الجانب الإثيوبى اتفاقا مع إقليم أرض الصومال بالمخالفة للوائح الاتحاد الإفريقي، أكدت الدولة المصرية على معارضتها لأى إجراءات من شأنها تؤثر على سيادة الدولة الصومالية، وأكدت على حق الصومال وشعبه دون غيره فى الانتفاع بموارده.

وأكدت الدولة المصرية على خطورة تزايد التحركات والاجراءات والتصريحات الرسمية الصادرة عن دول فى المنطقة وخارجها، التى تقوض من عوامل الاستقرار فى منطقة القرن الإفريقى، وتزيد من حدة التوترات بين دولها، فى الوقت الذى تشهد فيه القارة الإفريقية زيادةً فى الصراعات والنزاعات التى تقتضى تكاتف الجهود من أجل احتوائها والتعامل مع تداعياتها، بدلاً من تأجيجها على نحو غير مسئول، وشددت مصر على ضرورة احترام أهداف القانون التأسيسى للاتحاد الإفريقى ومنها الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها، ومبادئ الاتحاد التى تنص على ضرورة احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال وعدم تدخل أى دولة عضو فى الشئون الداخلية لدولة أخرى. 

اتصالات دبلوماسية

وفى ضوء هذه التطورات، كثفت الدولة المصرية من اتصالاتها مع دول القرن الإفريقى، للتعاطى مع التطورات التى تشهدها منطقة البحر الأحمر، حيث أكد وزير الخارجية سامح شكري، أن الدول المطلة على البحر الأحمر تتحمل مسئولية لحمايته، وقال على هامش لقائه وزير الخارجية البريطانى ديفيد كاميرن بالقاهرة نهاية ديسمبر الماضي، إن مصر تواصل التعاون مع العديد من شركائها لتوفير الظروف المناسبة لحرية الملاحة فى البحر الأحمر.

فى هذا الإطار تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى بداية شهر يناير، اتصالًا هاتفيًا من الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، تناول العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تطوير التعاون المشترك، واستمرار التنسيق وتعميقه فى مختلف المجالات، بما يتفق والطبيعة التاريخية للعلاقات بين البلدين، كما تطرق الاتصال للأوضاع الإقليمية، حيث أكد الرئيس السيسى موقف مصر الثابت بالوقوف بجانب الصومال الشقيق، ودعم أمنه واستقراره. 

فى نفس الوقت زار وزير الخارجية سامح شكرى إريتريا، حيث التقى الرئيس الإريترى أسياس أفورقي، وسلمه رسالة من الرئيس السيسى تتناول العلاقات الثنائية بين البلدين، وتطورات الأوضاع الإقليمية، وخلال اللقاء تمت مناقشة قضايا القارة الإفريقية والتطورات فى منطقة القرن الإفريقي، حيث أكد وزير الخارجية على حرص مصر الكامل على دعم عوامل الاستقرار والأمن والسلام فى المنطقة، الأمر الذى يتطلب تعزيز آليات التعاون والتنسيق الإقليمى من منظور شامل يحقق مصالح الجميع، وتم فى هذا الإطار تناول التحديات الراهنة فى كل من الصومال والسودان، وتأثيرها على استقرار والسلامة الإقليمية لدول المنطقة.

وتطرق لقاء وزير الخارجية مع الرئيس الإريترى إلى التحديات المرتبطة بأمن البحر الأحمر، حيث أكد وزير الخارجية على أهمية تعزيز التعاون بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر باعتبارها صاحبة مصلحة رئيسية فى استقرار الإقليم وسلامة الملاحة البحرية فى هذا المرفق التجارى الدولى الاستراتيجى، وأعاد سامح شكرى التذكير بتحذير مصر أكثر من مرة من مخاطر اتساع رقعة الصراع نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو ما بدأت شواهده تظهر بجلاء مع امتداد فترة الأزمة دون القدرة على التوصل لوقف لإطلاق النار.

وسبق لقاء وزير الخارجية بالرئيس الإريتري، مباحثات مع نظيريه الإريترى عثمان صالح، تناولت العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية، ومن بينها تطورات الوضع الراهن فى السودان وخطورته على استقرار السودان ومصالح الشعب السودانى، وأكد شكرى على الدور المهم والمحورى الذى تضطلع به آلية دول جوار السودان فى التعامل مع الأزمة وبحث سبل الخروج منها وإمكانية التوصل لتسوية تضمن الحفاظ على وحدة وسلامة واستقرار السودان وشعبه الشقيق.

فى نفس الوقت كانت هناك زيارة الأسبوع الماضى للرئيس الصومالى حسن شيخ محمود لدولة إريتريا، لعقد لقاء قمة مع الرئيس أفورقى، للتنسيق بين البلدين فى ضوء تحديات المنطقة، وسط تقارير تتحدث عن دعوات قدمتها مصر لرئيسى الصومال وإريتريا لزيارة القاهرة قريبًا.

وإذا كانت هذه التطورات من شأنها تسعى للتعاطى مع التطورات المعقدة التى تحيط بمنطقة القرن الإفريقى وتأثيراتها على أمن البحر الأحمر، فإن الدولة المصرية تتعاطى مع ما يحدث فى ضوء ثوابت سياستها الخارجية، وأهمها الحفاظ على الدولة الوطنية وسيادة تلك الدول، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، وتعزيز الشراكة معها لتأمين المصالح الإستراتيجية المشتركة بمنطقة البحر الأحمر.