الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إيمحتب «القادم فى سلام» أول من بنى مقبرة هرمية

جولة وتصوير - علاء الدين ظاهر



يُعرف بأنه من أجمل وأهم متاحف المواقع الأثرية فى مصر، حيث يحكى قصة أقدم البنائين فى مصر وهو المهندس إيمحتب الذى قام ببناء هرم زوسر المدرج، أول بناء يتمّ إنشاؤه من الحجر فى التاريخ، وقصة المصرى القديم الذى بدأ بتقطيع الحجر وتشييد أعظم الآثار، وفى ديسمبر الماضى كان محبو الآثار والتاريخ على موعد مع حدث مهم تمثل فى إعادة افتتاح المتحف بعد الانتهاء من مشروع تطويره وإعادة تأهيله، وهو ما مثل مكسبًا كبيرًا لمنطقة آثار سقارة، كونها أحد المواقع الأثرية المسجلة على قائمة التراث العالمى لليونسكو والتى يحرص السائحون على زيارتها.

يقع متحف إيمحتب فى سقارة هذه الأرض المقدسة بما تحتويه من مقابر كثيرة جداً، وذلك على بعد 20 كم من هضبة الجيزة، وتعود فكرة إنشائه إلى عام 1997م وتم افتتاحه عام 2006م، وذلك تخليدًا لذكرى المعمارى المصرى إيمحتب، باعتباره أول من قام ببناء مقبرة هرمية، ويسلط الضوء على الحضارة المصرية القديمة، كما يخلد ذكرى المعمارى الفرنسي»جان فيليب لوير»الذى كرس معظم حياته المهنية للتنقيب بمنطقة سقارة وترميم آثارها، ويمتد المتحف على مساحة 3 أفدنة ويضم 6 قاعات تعرض أكثر من 280 قطعة أثرية نادرة، وقد أجريت له أعمال ترميم وتطوير ورفع كفاءة، وعقب افتتاحه قامت روزاليوسف بجولة داخل قاعاته المختلفة التقينا فيها مع الدكتور ممدوح فاروق مدير عام المتحف، رصدنا خلالها حكايات متنوعة ومدهشة تكشف أهمية منطقة سقارة الأثرية ولمحات من تاريخها، وروعة وعظمة الحضارة المصرية القديمة.

صيانة ورفع كفاءة

بداية يجب أن نعرف أن مشروع تطوير المتحف وإعادة تأهيله تكلف 48 مليون جنيه، وتضمن كثيرًا من التفاصيل منها تنسيق الموقع العام الخارجى للمتحف، وتطوير الحديقة المتحفية ورفع كفاءة البنية التحتية ونظام الكهرباء ووحدات التكييف المركزى للمتحف، وتحديث المنظومة الأمنية داخل وخارج المتحف بتركيب كاميرات مراقبة ذات تقنية فنية عالية، وتحديث أنظمة الإنذارات، وإنشاء غرفة تحكم أمنية بها أحدث الأجهزة والشاشات، وصيانة وترميم واجهة المتحف وواجهات المبانى الإدارية والخدمية، وقاعات العرض المتحفي، وصيانة ورفع كفاءة أرضيات مبنى المتحف، وتحديث نظام إضاءة العرض المتحفى داخل فتارين العرض وخارجها، وتحديث إضاءة قاعة التهيئة المرئية، واستحداث معمل ترميم وتطوير الخدمات المقدمة للزائرين ومسار الزيارة، وتزويد المتحف بعدد من اللوحات الإرشادية والمعلوماتية، وتحديث بيانات بطاقات العرض المتحفى، وتوفير كافة سبل الإتاحة للزيارة الميسرة من ذوى الهمم.

القادم فى سلام

كان إيمحتب ويعنى اسمه القادم فى سلام، أحد كبار رجال بلاط الملك زوسر، وتعد المجموعة الجنائزية للملك زوسر «الهرم المدرج» من أبرز إنجازات إيمحتب، إذ أحدث من خلالها تطورًا كبيرًا فى العمارة المصرية القديمة، وتمثل ذلك فى الاعتماد على الحجر كمادة البناء الأساسية للمبانى الضخمة، حيث كان إيمحتب أول معمارى استخدم الحجر على نطاق واسع فى بناء مبنى ضخم كمجموعة هرمية متكاملة، ولم تقتصر عبقرية إيمحتب على العمارة فقط، بل امتدت إلى مجالات أخرى على رأسها الطب، فقد اكتسب شهرة واسعة فى الطب فى زمانه أدت إلى تقديسه فى العصور المتأخرة، وذلك بالدمج بينه وبين إسكليبيوس إله الطب عند الإغريق، حيث كان المرضى يقصدون مقصورته للاستشفاء، وحمل إيمحتب العديد من الألقاب منها حامل أختام ملك مصر السفلى، والأول بعد الملك وكبير كهنة هليوبوليس، والتى سجلت على قاعدة تمثال الملك.

منذ فجر التاريخ 

عرف المصرى القديم الحسابات الهندسية والفلكية منذ فجر التاريخ وبرع فيهما، فنجد العديد من التصميمات المعمارية لكثير من المقابر والمعابد المرسومة بالحبر الأحمر أو الأسود على البردى أو الأوستراكات»قطع حجرية أو فخارية صغيرة»، مما يوضح كيفية عمل المعمارى المصرى القديم، وتلقى الضوء على بعض مراحل البناء، التى تشمل التخطيط الدقيق المسبق من خلال وضع التصميم المعمارى ومراجعته، كما استخدم أذرع القياس التى تعادل 52سم و اجزاءها، مثل المسطرة حاليًا، لقياس المساحات و الأطوال بدقة، كما نجح المصرى القديم فى إيجاد وصفات طبية عديدة لعلاج بعض الأمراض، مثل الملاريا وسحابة العيون وتصلب الرقبة، كما ابتكر أدوات جراحية مصنوعة من النحاس او البرونز، لعلها استخدمت فى حالات الحوادث او الولادة.

زوسر و العمارة الجنائزية 

زوسر هو أحد ملوك الأسرة الثالثة الذين قاموا بشن العديد من الحملات العسكرية لإحكام السيطرة على حدود الدولة المصرية وتوفير الأمن الداخلى، ومن بين الآثار المكتشفة التى تخلد حملات العسكرية قاعدة تمثال تصور الملك يطأ بقدمية على أعداء مصر بالأقواس التسعة، وتشمل قاعدة التمثال بجانب هذا المنظر نقشًا يحتوى على ألقاب المعمارى إيمحتب.

وقد تطورت عمارة المقابر الملكية «العمارة الجنائزية» فى عهد الملك زوسر من مصطبة واحدة الى عدة مصاطب فوق بعضها تشكل هرمًا مدرجًا، وكانت الأبواب الوهمية من أهم العناصر المعمارية فى المقابر المصرية القديمة، نظرًا للدور الذى تلعبه فى الفكر الدينى لدى المصرى القديم، من تمكين الروح من العبور من والى العالم الآخر وكذا التمتع بالقرابين المقدمة من أقارب المتوفي، وقد نقش على الأبواب الوهمية او الكوات بالمقابر الجنوبية للملك زوسر قيام الملك بالاحتفال باليوبيل الثلاثييني»الحب سد»، ويزين الباب من أعلى بصف من أعمدة جد رمز الاستقرار فى الفكر المصرى القديم. 

البعث و الخلود 

يعد إيمان المصرى القديم بالبعث بعد الموت والخلود فى العالم الآخر هو جوهر الفكر الدينى والدافع الرئيسى للطقوس الدينية والجنائزية، لهذا قام المصرى القديم بتحنيط أجساد موتاه بهدف الحفاظ على جسد المتوفى سليما استعدادا للحياة فى العالم الآخر، حيث يتم تحنيطه بعد الموت بتجفيف الجسد من السوائل لإيقاف عملية التحليل، ثم لف الجسد بلفائف من الكتان.  

وتعتبر مومياء الملك مرى ان رع-الذى حكم حوالى 2287ق.م حتى 2278ق.م خلال عصر الأسرة السادسة أقدم مومياء ملكية مكتشفة حتى الآن، وقد عثر عليها عالم الآثار الفرنسى جاستن ماسبيرو عام 1881م،   وكانت مغطاة بكتان اثرى من عصر لاحق، كذلك اهتم المصرى القديم بإمداد المتوفى بما يحتاجه بعد البعث فى العالم الآخر من الأثاث الجنائزى والقرابين والأوانى والأكل و الشرب وتماثيل الخدم «الاوشابتي» لخدمة المتوفي.

جان فيليب لوير 

ولد المعمارى الفرنسى جان فيليب لوير عام 1902م فى باريس، واتجه الى مصر و هو فى الرابعة و العشرين من عمره ليعمل بمصلحة الآثار آنذاك، وسرعان ما اسرت إنجازات المعمارى المصرى القديم إيمحتب عقل وقلب المعمارى الشاب لوير، فكرس الأخير حياته المهنية لترميم المجموعة الجنائزية للملك زوسر وخاصه السرداب والجدار والسور المحيط بالمجموعة، فضلًا عن قيامه بأعمال الحفائر فى الغرفة أسفل الهرم المدرج، ويضم المتحف مكتبه تحتوى على بعض الكتب والدوريات العلمية، فضلًا عن كتابات بخط اليد تخص المعمارى الفرنسى لوير وبعض صوره، كما تضع المكتبة بعض مقتنياته الخاصة منها بوصلة وكاميرا وصور فوتوغرافية.

كنوز لا تقدر بثمن

المتحف ممتلئ بكنوز لا تقدر بثمن، ويضم 286 قطعة أثرية موزعة فى 6 قاعات داخل 27 فاترينة عرض، بالإضافة إلى حوالى 70 قطعة أثرية داخل 6 فتارين للعرض المؤقت والمكتبة، ومن هذه الكنوز جزء من «نصوص الأهرام»، وهى مجموعة من النصوص الدينية المصرية القديمة عبارة عن تعليمات ونصائح للمتوفى، وتهدف إلى حمايته خلال رحلته فى العالم الآخر، وقد سُجلت هذهِ النصوص بالخط الهيروغليفى على جدران الحجرات الأمامية وعلى الجدران الداخلية لحجرات الدفن. ويحتوى المتحف أيضاً على قطعة حجرية نادرة عبارة عن قاعدة لتمثال الملك «زوسر»، والتى تحتوى على ألقاب المهندس والطبيب «إيمحتب»، وأهم نماذج العناصر المعمارية بمجموعة هرم زوسر، وأهم مقتنيات ملوك الأسرة الخامسة والسادسة، ومن أبرزها مومياء الملك «مرى إن رع» أحد ملوك الأسرة السادسة، والتى تعتبر أقدم مومياء ملكية، ومجموعة من الأوانى المختلفة الأشكال والأحجام، اكتشفت داخل هرم الملك زوسر وبعض ملوك الأسرة الثانية، وأهم منحوتات النماذج الخشبية والحجرية لكبار الموظفين، وأهم وأقدم مجموعة من أدوات الجراحة فى التاريخ، وكذلك التماثيل البرونزية للمعبودات المصرية، وبعض القطع الأثرية من مومياوات حيوانية نادرة، مثل شبل الأسد و النسناس والقطط والنمس وغيرها، كما توجد قاعة عبارة عن مكتبة المهندس وعالم الآثار الفرنسى الراحل «جان فيليب لوير»، الذى عمل لمدة 75 عامًا فى سقارة للكشف عن المجموعة الهرمية للملك زوسر.